فهرس الكتاب
الصفحة 317 من 741

ذلك أنه جاء في إحدى روايات الحديث: (كان رجل يسرف على نفسه ... ) .

وجاء عند الإمام أحمد ما يرفع هذا الإشكال، حيث جاء الحديث -من طريق عبد الله بن مسعود- بلفظ: (أن رجلًا لم يعمل من الخير شيئًا قط إلا التوحيد، فلما حضرته الوفاة ... ) (1) .

قال ابن عبد البر:"وهذه اللفظة إن صحت رفعت الإشكال في إيمان هذا الرجل، وإن لم تصح من جهة النقل فهي صحيحة من جهة المعنى، والأصول كلها تعضدها، والنظر يوجبها، لأنه محال غير جائز أن يغفر للذين يموتون وهم كفار، لأن الله -عز وجل- قد أخبر أنه لا يغفر أن يشرك به، لمن مات كافرًا، وهذا ما لا مدفع له، ولا خلاف فيه بين أهل القبلة"، ثم قال عن رواية: (لم أعمل خيرًا قط) :"هذا سائغ في لسان العرب، جائز في لغتها: أن يؤتى بلفظ الكل، والمراد البعض" (2) .

والحديث بلفظه الذي بين أيدينا يدل على إسلام الرجل وتدينه من وجهين (3) :

أحدهما: إخباره أنه إنما فعل هذا من خشية الله تعالى، والكافر لا يخشى الله تعالى.

قال ابن عبد البر:"الدليل على أن الرجل كان مؤمنًا: قوله حين قيل له: لِمَ فعلت هذا؟ فقال: من خشيتك يا رب، والخشية لا تكون إلا لمؤمن مصدق، بل ما تكاد تكون إلا لمؤمن عالم، كما قال الله -عز وجل-: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28] " (4) .

(1) أخرجه الإمام أحمد موقوفًا على ابن مسعود (5/ 296) ح (3785) ، وحسن إسناده الهيثمي في المجمع (10/ 194) ، وقال أحمد شاكر:"إسناده صحيح".

(2) التمهيد (18/ 40) .

(3) انظر: طرح التثريب (3/ 267) ، والمفهم (7/ 74) ، وشرح كتاب التوحيد للغنيمان (2/ 391 - 392) .

(4) التمهيد (18/ 40) .

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام