فهرس الكتاب
الصفحة 31 من 189

ولهذا نقول: إن هذه المسألة مسألة موازنة، ولا بد للإنسان أن يستحضر الأمرين، وهنا إنما يورد رحمه الله الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما هو مقدر شرعاً لا فيما يتحقق في ذات الإنسان، فأورد هنا التباين في قوله: (أي الإسلام أفضل) إشارة إلى أن الإسلام فيه فاضل ومفضول عند المقارنة، وكله فاضل عند الانفراد، وعند المقارنة فثمة فاضل ومفضول، فقال: (أي الإسلام أفضل؟ قال: من سلم المسلمون من لسانه ويده) يعني: أن أبواب التروك تفوق أبواب الأعمال في بعض الأحيان، وإنما النبي عليه الصلاة والسلام خص هذا الرجل بهذا الحكم مع تباين الجواب، فالنبي عليه الصلاة والسلام سئل قال: (أي العمل أفضل؟ قال: إيمان بالله. قيل: ثم ماذا؟ قال: جهاد في سبيله) ، ويأتي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سئل: (أي العمل أفضل؟ قال: الصلاة على وقتها) ، فتباين الجواب في ذلك، وذلك لاختلاف حاجة السائل، فلما اختلفت حاجة السائل اختلف تبعاً لذلك الجواب، وهذا من فقه المجيب، أن يعلم حال السائل حتى يجيبه بما ينفعه لا بما ينفع غيره، فالعالم المتبصر في ذاته يكون جوابه قاصراً إذا لم يعرف موضع الجواب، فيجاوب الناس على نسق واحد، فإذا سئل أي العمل أفضل؟ قال: إيمان بالله، قيل: ثم ماذا؟ قال: جهاد في سبيله، ويستمر على هذا الجواب، وربما الذي يسأله ليس من أهل الجهاد، بل رجل قاعد، أو رجل مريض، أو ربما امرأة، أو ربما صبي، أو شيخ كبير، أو ربما مقصر بشيء لا يتحقق الجهاد إلا بإتمام ذلك، فالرجل الذي لا يؤدي الصلاة ومقصر فيها لا يقال له: إيمان بالله ثم جهاد في سبيله، وإنما يقال له: الصلاة على وقتها؛ ولهذا ينبغي للعالم أن يضع العلم موضعه من السائل لا موضعه من الشريعة فقط، وهذا من الفقه والحكمة.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام