فهرس الكتاب
الصفحة 28 من 189

وقول المصنف رحمه الله (باب المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده) يريد بذلك أن يورد أجزاء وأنواعاً لأعمال داخلة في الإيمان، ويريد أن يثبت الأصل الذي افتتح به الباب وهو زيادة الإيمان ونقصانه، وأن يذكر أن الأعمال من الإيمان أياً كان نوعها فهي إيمان، ولكن لا يلزم من انتفاء ذلك العمل أن ينتفي أصل الإيمان إلا بدليل خصه الشارع، فالنفي هنا يقع على ذات العمل لا على ذات الإيمان، وأما إذا انتفى محله وهو عمل القلب وقول اللسان وعمل الجوارح فإن هذا دليل على انتفاء الإيمان؛ ولهذا قال: (باب المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده) وأشار إلى كف الأذى، وهنا مسألة وهي هل التروك من الإيمان؟ استقر لدينا أن الأعمال والأفعال من الإيمان، نقول: كذلك التروك من الإيمان، إذا ترك الإنسان الأذى وأخلص أثيب على ذلك، وهذا قدر زائد عن الفعل، وهذا من لطف الله جل وعلا وجميل إحسانه أن الإنسان يثاب على الترك، وهذا على مراتب بحسب دوافع النفس، فإذا وجد الإنسان دافعاً في نفسه على الإقدام على عمل سوء، ثم كبح نفسه عن الإقدام على ذلك ككتم الغيظ وكظمه عن أن ينتقم ممن له حق الانتقام، فصبر عمن آذاه، فأجره عند الله عز وجل أعظم، بخلاف الذي يكف الأذى ولا يستحضر شيئاً في قلبه يدفعه إليه، كحال الإنسان الذي لا حاجة له مثلاً إلى السرقة، أو الغصب، أو الضرب، ونحو ذلك، هذا لا يثاب على ذلك، ويظهر الثواب عند ورود الدافع القلبي، أو الدافع الظاهر، وهذا في أبواب التروك. وإذا استحضر الإنسان نية الترك في ذلك يثاب عليها، ويعظم الأجر عند الله عز وجل ويضعف بحسب الدافع وحضور النية، فالإنسان الذي يكف أذاه عن الآخرين يمر به في اليوم مائة شخص ومائتان، هل يؤجر على تركه لهؤلاء؟ لا يؤجر حتى يستحضر النية، ويعظم الأجر إذا اعتدى عليه أحد بعينه من هؤلاء المائة، وكف أذاه عنه لوجود الدافع في قلبه أعظم من تركه للمائة الآخرين بحسب ورود الدافع.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام