فهرس الكتاب
الصفحة 175 من 189

ولهذا النبي عليه الصلاة والسلام لما خرج إلى أصحابه ليخبرهم بليلة القدر فقال: (إنه تلاحى فلان وفلان فرفعت، وعسى أن يكون خيراً لكم) ، هذا فيه جملة من الفوائد منها: أن ما يقع على الإنسان من حرمان ينبغي أن يربطه بالذنب، كذلك أيضاً فيه من المسائل أن الأمة قد تحرم بعمومها الخير بسبب أفراد؛ ولهذا الإخبار بليلة القدر لا يتعلق بهذين الاثنين، بل يتعلق بأمة محمد، ويتعلق على الأقل بالمجتمع الذي كان في زمن النبي عليه الصلاة والسلام من أهل المدينة وغيرهم، مع ذلك رفع الإخبار بليلة القدر، والسبب في ذلك هو تلاحي اثنين، وهذا يؤكد الأخذ على يد السفهاء، وأصحاب الفساد؛ لأن ذلك يمنع الخير على الأمة. وكذلك أيضاً من المسائل في هذا الحديث أنه ينبغي للإنسان إن وقع في شر أو تسبب ذنبه بشر أن يحسن الظن بالله أن ذلك خير له أيضاً؛ ولهذا قال: (وعسى أن يكون خيراً) ، يعني أن الله عز وجل يريد بالأمة خير، ويريد بالرجل خير، وإن كان رفع عنه خيراً، وهذا من إحسان الظن بالله، وهو من وجوه التوبة والإيمان، أي: أن الإنسان إذا نزلت به مصيبة يعلم أنها بذنب، ولكن يقول -من باب الإيمان- إن الله أراد بي خيراً وهو إيقاظ القلب والرجوع إلى الحق، فيرضى بالعقوبة، ويجعلها خيراً، وهذا من إحسان الظن بالله، وأما الانسياق خلف الذنوب والاستمرار على ذلك، وعدم ربط ذلك بالله فهذا مما حذر منه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الأمن من مكر الله. وفي هذا الحديث أيضاً أن الله سبحانه وتعالى لا يلغي الخير عن العامة بسبب الخاصة، وإنما يضيق أمره؛ ولهذا الله عز وجل ما رفع ليلة القدر بالكلية، وإنما رفع تحديدها؛ لأن الذين وقعوا في الذنب الخاصة، ولو وقع في الذنب العامة لرفع الخير كله؛ ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: (التمسوها في السبع والتسع والخمس) ، وهذا إشارة إلى أن الخير لم يرفع بالجملة، وإنما ضيق بابه.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام