فهرس الكتاب
الصفحة 21 من 42

بشخصه، وآخر يقول: إن الحرية الحقة هي حرية الإنسان الذي لا يعبد إلا الله، أما الذي لا يعبد الله وحده فليس بحر بل هو عبد لكل شيء مما تشتهيه نفسه، لأنه لا يقدر على مقاومة هذه الشهوات التي قد تهلك في النهاية.

فالأول يرى أن له الحق أن يتناول المسكرات والمخدرات لأنه حر في نفسه وليس لأحد عليه سلطان، والآخر يرى أنه ليس له حق تناول ذلك لما فيه من مخالفة أمر الله الذي يعلم ما يصلح الإنسان وما يضره، الأول غذي عقله بمعنى فاسد والثاني صين عقله من ذلك المعنى فكان سليماً.

ولقد كان للجن صولات وجولات في إفساد العقول قبل الإسلام، بسبب ما كانوا يحصلون عليه من استراق السمع من السماء وكانوا يضيفون إلى الكلمة الصادقة الواحدة تسعاً وتسعين كلمة كاذبة فيصدقهم الناس، فلما جاء الإسلام حرس السماء بالشهب التي كانوا يرمون بها لتحفظ العقول من فسادهم، إضافة إلى تغذية العقول بالوحي المنزل من السماء، كما قال تعالى: {وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرساً شديداً وشهبا وإنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهاباً رصداً، وإنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشداً} [الجن: 8 - 10] .

وقد وردت أحاديث صحيحة تبين ذلك.

وإذا كان الله تعالى قد تولى حفظ الناس من خرافات الجن وكذبهم فمنعهم من استراق السمع فإن الأرض مليئة بالخرافات التي يتولى نشرها بعض الإنس وكذلك الأفكار الفاسدة التي يطلق عليها الآن الغزو الفكري وقد حمل الله تعالى المسؤولية علماء الإسلام وحكام الشعوب الإسلامية - الناجين من ذلك الغزو - فإنهم يجل عليهم أن يرموا من خالف الإسلام بشهب الحجة والحديد كما رمى الله الجن بشهاب السماء، قال تعالى: {لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله إن الله قوي عزيز} [الحديد: 25] .

فإذا تمت صيانة العقل من المفسدات المعنوية سهل كما سبق صيانته من المفسدات المادية المحسوسة.

ولكن المؤسف أن أكثر ولاة أمور الشباب المسلم من حكام وعلماء وآباء لا يهتمون بعقول الشباب وصيانتها مما يفسدها معنوياً، ولكن كثيراً منهم لا يحاولون أن يصونوها من المفسدات المادية وهم بذلك شبيهون بمن يرمي الشخص الذي لا يجيد السباحة في البحر ثم يرمي له حبلاً قصيراً لا يصل إليه بل من أجل إنقاذه من الغرق.

بل من عجائب المسلمين أن ينعكس الأمر عندهم عما هو عليه عند غيرهم فيكون أكثر من المدمنين في الغرب من الطبقات الدنيا التي ليس عندها أعمال تملأ فراغهم أو من الذين عندهم قصور عقلي وتخلف ذهني، ولكن أغلب المدمنين في بلدان المسلمين هم من الذين يتولون أمور الشعوب من الساسة والأغنياء،

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام