المسلمون بشر كغيرهم، وليسوا بمعصومين من الزلل إلا أن يكونوا أنبياء، فكون بعضهم تصدر منهم بعض المعاصي والمنكرات ليس غريباً، وإنما الغريب أن تصدر من المسلم المعاصي ويصر عليها ويستمر في تعاطيها، وتشتد الغرابة أكثر عندما يصر المسلم على المعصية ثم لا يوجد من ينكرها، لأن المنكر عندئذ يستقر ويتفشى في الأمة فيصبح عادة يكثر بسببها الانحراف ويقتدي اللاحق بالسابق.
وفي هذا الفصل مبحثان:
المبحث الأول: في منزلة قاعدة الأمر بالمعروق والنهي عن المنكر في الإسلام.
لقد جعل القرآن الكريم والسنة النبوية استقرار الإيمان بأصوله وفروعه في المجتمع الإسلامي ملازماً للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما جعل الولاء الحق بين المسلمين معتمداً على تآمرهم بالمعروف وتناهيهم عن المنكر، فقال تعالى: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله، إن الله عزيز حكيم} [التوبة: 71] .
فإذا ما فقد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مجتمع، أصبح ولاء بعض هذا المجتمع قائماً على النفاق، وليس على الإيمان، وكان العصيان شعارهم والفسق قائدهم إلى لعنة الله وأليم عقابه، بدلا من تلك الرحمة المبنية على الطاعة والولاء الصادق الذي لا ينفك عنه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما قال تعالى: {المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويقبضون أيديهم نسوا الله فنسيهم إن المنافقين هم الفاسقون، وعد الله المنافقين والمنافقات والكفار نار جهنم خالدين فيها هي حسبهم ولعنهم الله ولهم عذاب مقيم} [التوبة: 67 - 68] ، وقال تعالى: {لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون، كانوا لا ينتاهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون} [المائدة: 78 - 79] .
وعندما يفقد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المجتمع يكون شبيهاً بركاب سفينة اتخذوا بأيديهم أسباب غرقها بهم وهلاكهم في البحر، كما أن المجتمع الذي تقوم فيه قاعدة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يكون عكس ذلك، وهو أنه اتخذ كل الوسائل والأسباب المؤدية إلى سلامة سفينتهم وسلامتهم من الغرق، كما بين ذلك حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلها وبعضهم أسفلها، فكان الذي في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذ