المسلم له هدف عام يجب أن تكون كل أهدافه متفرعة عن ذلك الهدف ومحققة له، وهذا الهدف العام هو رضا ربه تعالى عنه بقيامه بعبادته التي تشمل كل تصرفات الإنسان في هذه الحياة كما قال سبحانه وتعالى: {وما خلقت الجو والإنس إلا ليعبدون، ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين} [الذاريات: 56 - 58] ، وقال تعالى: {أن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية، جزاؤهم عند ربهم جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشي ربه} [البينة: 7 - 8] .
ولهذا يبشر الله المؤمنين بدوام رضوانه عنهم ويذكرهم بذلك بعد أن يدخلوا الجنة فينالوا نعيمها لا يفكرون في سواه فقد روى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( إن الله يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة، فيقولون: لبيك ربنا وسعديك، والخير في يدرك، فيقول: هل رضيتم؟، فيقولون: وما لنا لا نرضى يا رب وقد أعطيتنا ما لم تعط أحداً من خلقك، فيقول: ألا أعطكم أفضل من ذلك؟ فيقولون: يا رب وأي شيء أفضل من ذلك، فيقول: أحل عليكم رضواني فلا سخط عليكم بعده أبداً ) ) [مسلم (4/ 2176) ] .
هذا هو الهدف العام الذي يجب أن يوجه كل نشاط للفرد المسلم والأسرة المسلمة والمجتمع المسلم إلى تحقيقه.
وهناك أهداف تنفرع عنه وتعتبر - نسبياً - وسائل لتحقيقه، وقد أطلقتُ عليها: الأهداف العليا، ويطلق عليها الضرورات الخمس، أو الست، ولهذا جعلت هذا الفصل خمسة مباحث كل مبحث يتعلق بإحدى هذه الضرورات، وهي: حفظ الدين، وحفظ النفس، وحفظ العقل، وحفظ النسل، وحفظ المال، وقبل أن أذكر كل مبحث على حدة أورد بعض النصوص من القرآن والسنة الدالة على عناية الإسلام بحفظ هذه الضرورات.
قال تعالى: قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم أن لا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً، ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم، ولا تقربوا الفواحش، ما ظهر منها وما بطن، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم بع لعلكم تعقلون، ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده وأوفوا الكيل والميزان بالقسط، لا نكلف نفساً إلا وسعها وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى، وبعهد الله أوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون، وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم