فهرس الكتاب
الصفحة 15 من 42

عن سبيله، ذلك وصاكم به لعلكم تتقون [الأنعام: 151 - 153] .

فقد اشتملت الآيات على وجوب حفظ الدين في نهيه سبحانه عن الشرك، وفي قوله: {وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله} وعلى حفظ النفس في قوله تعالى: {ولا تقتلوا أولادكم} ، {ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق} كما اشتملت على وجوب حفظ النسل بقوله تعالى: {ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن} [ويدخل في حفظ العرض الذي يعده بعض العلماء ضرورة سادسة] ، واشتملت على حفظ المال في قوله تعالى: {ولا تقربوا مال اليتيم} {وأوفوا الكيل والميزان بالقسط} وأما حفظ العقل فإنه يؤخذ من التكليف بحفظ هذه الضرورات وكل الأوامر والنواهي الإلهية، ولعل في قوله تعالى في آخر الآية الأولى: {ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون} ما يدل على ذلك ويشير إليه.

وهذه الضرورات اتفقت على وجوب حفظها جميع الملل والأمم وإن اختلفت في طرق حفظها وتفاصيلها، والفرق بين الإسلام وغيره من ملل الأرض الموجودة إلا أن الإسلام يعتبر حفظ هذه الضرورات ديناً وعبادةً لله عليها ثواب وعقاب، بخلاف الملل والقوانين الأخرى، ولهذا قال تعالى هنا في آخر هذه الآيات: {ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون} وقال قبل ذلك: {وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله} .

وقد فصل الرسول صلى الله عليه وسلم في السنة وجوب حفظ هذه الضرورات ويصعب أن يتتبعها الباحث هنا، ولكن أشير باختصار شديد إلى بعضها:

فمن ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( اجتنبوا السبع الموبقات ) )قيل: يا رسول الله وما هن؟ قال: (( الشرك بالله، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل مال اليتيم وأكل الربا، والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات ) ) [البخاري (3/ 195) ومسلم (1/ 92) ] .

فالنهي عن الشرك بالله والسحر، والتولي يوم الزحف يدل على وجوب حفظ هذا الدين إيماناً وعملاً، والنهي عن قتل النفس يدل على وجوب حفظ النفس، والنهي عن أكل مال اليتيم وأكل الربا يدل على وجوب حفظ المال، والنهي عن قذف المحصنات الغافلات المؤمنات يدل على وجوب حفظ النسل والعرض وحفظ العقل يدل عليه التكليف بهذه الأمور وغيرها كما يدل عليه تحريم شرب المسكرات وتعاطي المخدرات.

هذه هي الأهداف العليا التي تحيى بها الأمم ويجب على ولاة الأمور من حكام وآباء وعلماء وغيرهم أن يوجهوا الشعوب إلى تحقيقها، فإن الشباب إذا وجه إلى تحقيقها وفقه معانيها وشغل نفسه بها فسوف لا يخاف منه تعاطي المعاصي والمنكرات، ومنها المسكرات التي تهدم هذه الضرورات والأهداف هدماً.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام