البعض، لكنه إذا اجتمع عنده العلم والإيمان أن أحداً يعلم بما يرتكبه من معصية ويقدر على متابعته ومحاسبته وعقابه لا يقدر أبداً على الإفلات منه فإنه لا يقدم على ارتكاب المعصية التي يعلمها ويعاقبه عليها.
ولهذا جمع الله سبحانه بين علمه المحيط بكل شيء، وقدرته التامة على كل شيء في قوله تعالى: {قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه الله ويعلم ما في السماوات وما في الأرض والله على كل شيء قدير} [آل عمران: 29] .
وقال تعالى: {أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم، كانوا أشد منهم قوة وما كان الله ليعجزه من شيء في السماوات ولا في الأرض إنه كان عليماً قديراً} [فاطر: 44] .
فمن أراد أن يوجد من يجتنب ما يضره ويضر مجتمعه من الجرائم، بل من أراد أن يكون الشعب كله حارساً على مصالحه في السر والعلن فليرب من أراد منه ذلك على العلم والإيمان بقدرة الله التامة على كل شيء مع إحاطته تعالى علماً بكل شيء.
ولعل هذا يبين حكمة أمر الله تعالى عباده أن يعبدوه بأسمائه الحسنى التي تملأ القلب المؤمن حباً لله وخوفاً ورهبة منه فيقدم على ما يحب ويبتعد عما يكره، كما قال تعالى: {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها} [الأعراف: 180] .
لأن كل اسم من أسمائه تعالى يحمل من المعاني ما لو فقهه المؤمن وثبت في قلبه لازداد تقرباً إلى الله بطاعته بأداء حقوقه وحقوق عباده، وترك معصيته بعدم الاعتداء على حقوقه وحقوق عباده.
ولهذا كان المكثر من حفظ أسماء الله الحسنى المتعبد بها جديراً بوعد الله أن يدخله الجنة، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (( إن لله تسعة وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة ) ) [البخاري (3/ 185) ومسلم (4/ 2062) وفي مسلم زيادة في رواية: (من حفظها) ] .
وقال ابن القيم رحمه الله: (ولو شهد بقلبه صفة واحدة من أوصاف كماله لاستدعت منه المحبة التامة عليها، وهل مع المحبين محبة إلا من آثار صفات كماله فإنهم لم يروه في هذه الدار، وإنما وصل إليهم العلم بآثار صفاته وآثار صنعه فاستدلوا بما علموه على ما غاب عنهم) [طريق الهجرتين وباب السعادتين ص:561 - 562 طبع قطر] .
إن هذا القرآن لم ينزل إلا لهداية البشر وإقامة الحجة عليهم، قال تعالى: {ألم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين} [البقرة: 1 - 2] ، وقال تعالى: {إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم} [الإسراء: 9] ، وقال تعالى: {وهو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون}