لذلك يجب على ولاه أمور المسلمين أن يعنوا بالمساجد، وبالترغيب في حضور صلاة الجماعة وحلقات الذكر وأن يوظفوا بها أئمة أكفاء قادرين على التزكية والتطهير والتعليم فإنه لا يمكن أخذ العلم النافع والعمل الصالح على الوجه الصحيح إلا عن طريق العلماء العاملين كما حصل ذلك للصحابة رضي الله عنهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وللتابعين مع الصحابة وهلم جر، ولهذا فإن العلماء العاملين يتحملون مسئولية عظيمة في تعليم الناس وتزكيتهم وتطهيرهم [راجع في هذا كلام نفيس للإمام أبي إسحاق إبراهيم بن موسى الشاطبي رحمه الله في كتابه القيم: الموافقات (1/ 91 - 95) بتحقيق محمد عبد الله دراز - وللمؤلف كتاب في وظيفة المسجد التربوية بعنوان: دور المسجد في التربية، وهو مطبوع] ، وحكام المسلمين يتحملون مسئولية عظيمة في عدم حمل العلماء على ذلك، فكيف إذا صدوهم عن القيام به؟.
ومن ميادين تزكية النفوس القيام بخدمة الضعفة والعجزة ومساعدة الأرامل والمحتاجين، وإنصاف المظلومين ومساعدة المنكوبين بالكوارث، كالأعاصير المدمرة والزلازل والبراكين والفيضانات والمجاعات وغيرها مما لا يأتي عليه الحصر والناس في كل مكان وزمان يحتاجون إلى هذه المساعدات فلو اهتم ولاة أمور المسلمين بتوجيه الشباب إلى القيام بهذه الأمور لكان ذلك أجدى عليهم من التسكع والتشرد والاشتغال بأمور تافهة لا تتحقق لهم مصالح لا في الدنيا ولا في الآخرة، بل تجر عليه وعلى أمتهم الوبال والانحطاط.
إنه لا شك يوجد شباب منصرف إلى هذه الميادين النافعة التي تزكي النفوس وتطهرها ولكن هناك أعداداً هائلة من الشباب ضائعة عندها من الفراغ مما يجعلها بأسوأ الأخلاق وتوافه الأمور، بل وأكثرها ضرراً عليهم وعلى مجتمعاتهم.
الأصل في الجهاد في سبيل الله أنه فرض كفاية إذا قامت به طائفة أو طوائف في الأرض كافية لنشر الإسلام ورفع رايته وإعزاز أهل الإسلام وإذلال أهل الكفر وحماية ديار الإسلام من غزو الأعداء، بل وغزو الأعداء في عقر دارهم بحسب ما شرعه الله ورسوله ودرج عليه السلف الصالح فإنه إذا قامت به تلك الطائفة أو الطوائف يسقط عن الباقين، وليس فرض عين بهذا الاعتبار.
ولكن إذا لم تقم به طائفة أو قامت به طائفة غير كافية لرفع راية الإسلام في الأرض فإنه يكون فيض عين على كل مسلم بهذا الاعتبار.
واليوم لا يشك عاقل من المسلمين أن الجهاد فرض عين على كل المسلمين، لأنه لا يوجد في الأرض طائفة قائمة بالجهاد كافية لغيرها، مع أن كثيراً من أراضي المسلمين قد هجم عليها الأعداء واحتلوها وشردوا أهلها، ويتحفز أولئك لغيرها، وكذلك كثير من المسلمين مضطهدون في العالم: يعذبون ويشردون ويحرمون