وفي هذا الفصل مبحثان:
المبحث الأول: وجوب اتخاذ الوسائل الواقية من ارتكاب المعاصي كلها:
سبق أن الإسلام يعتمد في تطبيقه على الإيمان به وأنه إذا غرس الإيمان في نفس الإنسان استجاب لأمر الله تعالى وأن هناك مقاصد يجب على المسلمين تحقيقها، وهذه المقاصد محاطة بأخلاق ثابتة لا يجوز التساهل فيها، وفساد تلك الأخلاق يؤدي إلى فساد المجتمع، لذلك تجد أن الجرائم والمعاصي التي فيها ضرر على المجتمع توجد وسائل كثيرة حض عليها الإسلام وأوجبها وهي واقية من الوقوع في تلك المعاصي، فمثلاً: جريمة الزنا، حرم الإسلام الوسائل التي تفضي إليها، كالخلوة بالأجنبية واختلاط الرجال والنساء الأجنبيات لغير حاجة، وإيجاب الحجاب على المرأة، وعدم جواز خضوعها في صوتها للأجنبي، ولزوم بيتها إلا لحاجة، والحض على الزواج والأمر بغض البصر ... [راجع البخاري (6/ 117) ومسلم (2/ 891، 1018، 1019) ] .
وجريمة قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق شرع الله وسائل كثيرة تحول دون ذلك، كنهيه صلى الله عليه وسلم عن التساهل في حمل السلاح تساهلاً قد يؤي إلى إصابة الناس بدون قصد، والنهي عن الترويع، وإباحته للمسلم أن يدافع عن نفسه إذا أراد أحد الاعتداء عليه والنهي عن السباب، والبعد عن أسباب الخلاف [البخاري (8/ 38) ] .
وجريمة السرقة اشترط لإقامة الحد فيها صون المال في حرز، وأمر الأغنياء بإخراج الزكاة للفقراء والإحسان إليهم، وأمر القوي المكتسب أن يعمل حتى لا يحتاج إلى تناول ما حرم الله عليه، وأمر بالإنفاق على المحتاج: فينفق القريب على قريبه والزوج على زوجته، وبيت المال ينفق على من لا يوجد من ينفق عليه.
وجريمة القذف بالزنا نهى الشارع عن كل ما قد يؤدي إليها: أمر بحفظ اللسان بحيث أن المسلم يقول خيراً أو يسكت ونهى عن السباب.
وجريمة السكر نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن كل وسيلة توصل إليها فلعن عاصر الخمر ومعتصرها وساقيها وشاربها وحاملها والمحمولة إليه وبائعها ومشتريها، ونهى عن تناول القليل منها.
وهكذا تجد كل معصية حذر منها الإسلام ونهى عنها وعن الوسائل المؤدية إليها.
وعد الله سبحانه وتعالى بالثواب الجزيل كل من أطاعه فامتثل أمره واجتنب نهيه، وتوعد بالعقاب كل من عصاه فترك أمره وارتكاب نهيه.
وأمر المجتمع كله بالتآمر بالمعروف والنهي عن المنكر، باتخاذ هذه الوسائل ولم يتساهل فيها.