عبادة ربهم بإخراج الزكاة من أموالهم لكان في ذلك تطهير للأغنياء بأداء ركن كم أركان هذا الدين، وفرق كبير بين إخراج شيء عبادةً لله وإخراج ذلك الشيء أو أكثر منه ضريبة لا صلة له بالدين، ثم لو أخذت الزكاة وقسمت بين مستحقيها لاستغنى كثير من الفقراء عم ارتكاب المحرمات في سبيل الحصول على الرزق، من سرقة واختلاس وخيانة وتجارة في الخمور والمخدرات والدخان وغيرها.
وقال تعالى في تطهير الصيام للصائم: {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون} [البقرة: 183] ، فالصيام يؤدي إلى تقوى الله، لما فيه من إلزام الإنسان نفسه طاعة ربه واجتناب المباحات التي أصبحت محرمة عليه بعد شروعه في الصيام امتثالاً لأمر الله ... فكون الإنسان يدع ما تشتهيه نفسه من المباحات - في الأصل - والطيبات طاعة لربه، فإنه يكون أكثر بعداً عما هو محرم عليه في الأصل، فإذا كان الصون يؤدي إلى هذا المعنى من التزكية التطهير فإن واجب ولاة أمور المسلمين حمل الناس عليه كغيره من فرائض العبادات، فإذا تركوا كثيراً من المسلمين في شعوبهم يعصون الله جهاراً فلا يقومون بهذا الركن من أركان الإسلام الذي يؤدي إلى تقوى والتقوى هي امتثال أمر الله واجتناب نهيه فكيف يطلبون من هؤلاء الفسقة العصاة أن يقلعوا عن المخدرات، بل إن بعض من ولاهم الله قَدَراً أمور المسلمين أفتى بجواز الفطر في رمضان من أجل التّقَوِّي على القيام بأعمال الدولة.
وقال تعالى عن الحج: {الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج وما تفعلوا من خير يعلمه الله وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب} [البقرة: 197] .
وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (( من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كما ولدته أمه ) )، وقال: (( الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة ) ) [البخاري بشرح فتح الباري (3/ 597) (4/ 20) ومسلم (2/ 983) ] .
وكثير من الشباب المسلم يحرم من أداء فريضة الحج الذي هو ركن من أركان الإسلام وله هذا الأثر العظيم على النفوس في تطهيرها وتزكيتها.
ومن الصعب جداً أن يتتبع الباحث أثر بقية الواجبات والمندوبات وترك المحرمات والمكروهات في النفوس البشرية وتزكيتها وتطهيرها وكفها عن المعاصي عامة وهي غير خافية في واقع الناس ويعرف ذلك من احتاج من الناس إلى الرجل الأمين الذي لا يخونهم في أعراضهم وأموالهم، فإنهم يبحثون عن الرجل الملتزم بالدين وإن كانوا هم غير ملتزمين بذلك، والسبب هو علمهم أنه يبتعد عن ظلمهم وخيانتهم خوفاً من الله وليس خوفاً من مراقبتهم.
ومن ميادين التزكية المساجد وحلقات الذكر وتلاوة القرآن وتعليم مبادئ الإسلام، فإن الأثر الذي تحدثه المساجد في نفوس الناس قلما يوجد في ميدان آخر، اللهم إلا ميدان الجهاد في سبيل الله.