السليم في الإقرار به كما قال تعالى: {إنا أنزلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون} [يوسف: 2] .
فإذا لم يهتد الإنسان بعقله إلى ما فيه مصلحته مما جاء من عند الله فقد أضاع عقلة ولم يستفد منه، فأصبح بمنزلة من لا عقل له، لذلك ينفي القرآن الكريم عن مثل هذا الصنف من الناس العقل، أو ينكر عليه عدم العقل للأمور النافعة أو الضارة كالمشركين الذين يرفضون اتباع ما أنزل الله ويقلد الأبناء منهم الآباء، كما قال تعالى: {وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أو لو كان آباؤهم لا يعقلون شيئاً ولا يهتدون، ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء صم بكم عمي فهم لا يعقلون} [البقرة: 170 - 171] .
ومن الآيات التي تعرضت لهذا المعنى، وهو حفظ العقل على التفكر فيما ينفع فيتعاطاه وما يضر فيجتنبه هذه الآية الكريمة المتعلقة بحفظ العقل نفسه مما يفسده {يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون} [البقرة: 219] .
كانت هذه الآية قبل أن ينزل تحريم الخمر البات في سورة المائدة تلفت عقول شاربي الخمر إلى أن النفع الذي قد يحصل منها بيعاً وشراءً وشرباً في جانب مضارها العظيمة يقتضي أن ترجح العقول السليمة البعد عنها بدلاً من تعاطيها.
فإذا وجهت عقول الشباب إلى المقارنة والموازنة بين المصالح والمفاسد وما ينبغي فعله وما ينبغي تركه فإن ذلك وسيلة من وسائل حفظ عقولهم من الضياع.
الأمر الثاني: صيانة العقل من المفسدات المعنوية وذلك يشمل العقائد والأفكار والمعارف كلها، سواء كانت دينية أو اجتماعية أو سياسية أو عسكرية أو اقتصادية، فإن العقل إذا غذي بعقائد وأفكار ومعلومات فاسدة يسوء تصوره ويفسد ويضل ويصبح أخطر من العقل الخالي من المعلومات لأن هذا الأخير يمكن أن يهيأ له من يغذيه بالعقيدة السليمة والفكر الصحيح والمعلومات الصادقة فيكون قبولها لها سهلاً بخلاف العقل الذي يغذى بالمعاني الفاسدة ويؤكد له صدقها فإن انتزاع تلك المعاني الفاسدة منه وإحلال معاني صحيحة محلها ليس سهلاً بل قد يكون في غاية الصعوبة، وهذا واضح في أهل الملل المختلفة والأفكار المتشعبة في كل العالم.
والعقل الذي يصان من المفسدات المعنوية يسهل أن يصان من المفسدات الحسية بخلاف العقل الذي تفسده المعاني الفاسدة فإنه من السهل أن يستجيب لما يفسده حسياً.
ويمكن أن أضرب لذلك مثالاً يمس ما نخن بصدده في هذا المؤتمر، وهو أن نجد شخصين، أحدهما يقول: إن الدين غل في عنق الإنسان يمنعه من تناول ما يريد مما تشتهيه نفسه بكامل حريته، مادام متعلقاً