وبعدها أمر بالهجرة إلى المدينة. [62]
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[62] قوله رحمه الله: وبعدها أمر بالهجرة إلى المدينة: لما اشتد أذى قريش وزاد شرهم بالصد عن سبيل الله ومضايقة المسلمين، وتعذيب من ليس له جماعة تحميه من مستضعفي المسلمين، أذن الله سبحانه وتعالى للمسلمين بالهجرة إلى الحبشة، الهجرة الأولى؛ لأن فيها مَلِكًا لا يظلم أحد عنده وكان نصرانيا ولكنه كان عادلا، هاجر منهم نفر كثير، فلما علمت قريش بهجرتهم إلى الحبشة، أرسلوا في طلبهم مندوبين من دهاة قريش أحدهما: عمرو بن العاص، ومعهما الهدايا للنجاشي، وقالوا: إن هؤلاء فروا منا وهم أقاربنا نريد أن يرجعوا وإنهم أشرار، لا يفسدون في بلدك. . . إلخ.
وأعطوه الهدايا التي معهم ليغروه، ولكنه - رحمه الله - استدعى المهاجرين وسمع منهم، وخيرهم فاختاروا البقاء في الحبشة، فرجع المندوبان خائبين وبقي من بقي في الحبشة من المهاجرين.
ثم إن الله مَنَّ على النجاشي فأسلم وَحَسُنَ إسلامه، فلما توفي صلى عليه الرسول صلى الله عليه وسلم هو وأصحابه صلاة الغائب، فكان في هجرتهم إليه خير له أيضا هداه الله بسببهم فدخل في الإسلام.
ثم لقي النبي صلى الله عليه وسلم نفرًا من الأنصار في منى في موسم الحج، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه على القبائل في موسم الحج، يذهب إلى منازل العرب في منى ويدعوهم إلى الله، وصادف أن لقي أناسًا من الأنصار فدعاهم إلى الله فعرض عليهم ما عنده، فقبلوا من الرسول صلى الله عليه وسلم دعوته، وبايعوه على الإسلام، ورجعوا إلى قومهم من موسم الحج فدعوهم إلى الله عز وجل، فوافى في الموسم الذي بعده أكثر من الموسم الأول، جاء ناس من الأنصار وبايعوا النبي صلى الله عليه وسلم بيعة العقبة الثانية أي: عند جمرة العقبة، بايعوه على الإسلام، وعلى أن يناصروه إذا هاجر إليهم، وأن يحموه مما يحمون منه أنفسهم وأولادهم.
فعند ذلك، أي: بعد هذه البيعة المباركة أمر النبي صلى الله عليه وسلم من كان في مكة من المسلمين بالهجرة إلى المدينة، وهاجر من هاجر إلى المدينة، وبقي الرسول وبعض أصحابه، ثم إن الله أذن لنبيه صلى الله عليه وسلم بالهجرة. فلما علمت قريش بهجرة الصحابة إلى المدينة، وعلموا بالبيعة التي حصلت بينه وبين الأنصار، خافوا أن يلحق رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه في المدينة، ويتكون له قوة، وتكون لهم منعة، ففي هذه الليلة التي أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يخرج إلى الهجرة جاؤوا وحاصروا البيت، ووقفوا عند الباب معهم أسلحتهم يريدون الفتك برسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبر الله نبيه صلى الله عليه وسلم فأمر النبي صلى الله عليه وسلم عليا أن ينام على فراشه حتى يراه المشركون ويظنون أنه النبي صلى الله عليه وسلم، فنام علي رضي الله عنه على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم فتغطى بغطاء الرسول صلى الله عليه وسلم فصار المشركون ينتظرون خروجه على أنه الرسول صلى الله عليه وسلم وخرج النبي صلى الله عليه وسلم من بينهم وهم لا يشعرون.
أعمى الله بصائرهم عنه، وأخذ ترابا وذرَّه على رؤوسهم، وخرج من بينهم، وذهب إلى أبي بكر رضي الله عنه، وخرجا فذهبا إلى غار ثور، فاختفيا فيه ثلاثة أيام، وقريش تطلب من الناس العثور عليه بأي وسيلة، حيا أو ميتا، فلما يئسوا من العثور عليه بعد البحث والتنقيب، أغروا بالجوائز من يأتي به صلى الله عليه وسلم حيا أو ميتا، فلما أيسوا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه من الغار، وركبوا الرواحل وذهبوا إلى المدينة.
والهجرة: الانتقال من بلد الشرك إلى بلد الإسلام. [63]
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[63] الهجرة في اللغة: ترك الشيء.