قال ابن كثير - رحمه الله - تعالى: الخالق لهذه الأشياء هو المستحق للعبادة. وأنواع العبادة التي أمر الله بها مثل الإسلام والإيمان والإحسان [10]
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[10] لما بين الشيخ أن الرب هو المعبود واستدل بقوله تعالى: / يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ /استشهد بكلام ابن كثير - رحمه الله - في تفسيره للآية، وأراد أن يبين أنواع العبادة، وأدلة كل نوع، فالعبادة في اللغة معناها: التذلل والخضوع، ومنه طريق معبد: يعني مذلل مخضع بالمشي عليه.
والعبادة قسمان: القسم الأول: عبادة عامة لجميع الخلق، كلهم عباد الله، المؤمن والكافر، والفاسق والمنافق، كلهم عباد الله، بمعنى أنهم تحت تصرفه وقهره، وأنهم تجب عليهم عبادته سبحانه وتعالى، هذه عبادة عامة لجميع الخلق، مؤمنهم وكافرهم، كلهم يقال لهم عباد الله، بمعنى أنهم مخلوقون له، مذللون، لا يخرج أحد منهم عن قبضته وسلطانه، كما قال تعالى: / إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا / [مريم: 93] . هذا يشمل كل من في السماوات والأرض، المؤمن والكافر، كلهم يأتون يوم القيامة منقادين لله سبحانه وتعالى، ليس لأحد منهم شركة مع الله سبحانه وتعالى في ملكه.
القسم الثاني: عبودية خاصة بالمؤمنين، كما قال: / وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا / [الفرقان: 63] .، قال تعالى: / إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ / [الحجر: 42] . قال الشيطان: / إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ / [الحجر: 40] . هذه عبودية خاصة، وهي عبودية الطاعة والتقرب إلى الله بالتوحيد.
والعبادة في الشرع اختلف العلماء في تعريفها، يعني اختلفت عباراتهم في تعريفها، والمعنى واحد، فمنهم من يقول: العبادة غاية الذل مع غاية الحب، كما قال ابن القيم في النونية:
وعبادة الرحمن غاية حبه ... مع ذل عابده هما قطبان
فعرفها بأنها غاية الحب مع غاية الذل.
ومنهم من يقول: العبادة هي: ما أمر به شرعا من غير اطراد عرفي ولا اقتضاء عقلي.
لأن العبادة توقيفية لا تثبت بالعقل ولا بالعرف، وإنما تثبت بالشرع، وهذا تعريف صحيح.
ولكن التعريف الجامع المانع هو ما عرفه بها شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - حيث قال:"العبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة".
هذا التعريف الجامع المانع، وهو أن العبادة اسم لجميع ما أمر الله به، ففعل ما أمر الله به طاعة لله، وترك ما نهى الله عنه طاعة لله، هذه هي العبادة، ولا تحصر أنواعها، أنواعها كثيرة، كل ما أمر الله به فهو عبادة، وكل ترك لما نهى الله عنه طاعة لله هو عبادة، ولا تحصر أنواعها، أنواعها كثيرة، كل ما أمر الله به فهو عبادة، وكل ما نهى الله عنه فتركه، سواء كان ذلك ظاهرا على الجوارح أو كان باطنا في القلوب، لأن العبادة تكون على اللسان وتكون على القلب وتكون على الجوارح.
تكون على اللسان مثل التسبيح والذكر والتهليل والنطق بالشهادتين، كل أقوال اللسان المشروعة من ذكر الله - عز وجل - فإنها عبادة.
وكذلك كل ما في القلب من التقرب إلى الله - عز وجل - فإنه عبادة كالخوف والرجاء والخشية والرغبة والرهبة والتوكل والإنابة والاستعانة، كل هذه أعمال قلب، اللجوء إلى الله بالقلب وخشية الله وخوفه ورغبته والرغبة إليه ومحبته سبحانه والإخلاص له والنية الصادقة لله - عز وجل -، كل ما في القلوب من هذه الأنواع فهو عبادة؛ وكذلك تكون العبادة على الجوارح مثل الركوع والسجود والجهاد في سبيل الله والجهاد بالنفس والهجرة، كل هذه عبادات بدنية، والصيام عبادة بدنية تظهر على الجوارح.