فهرس الكتاب
الصفحة 26 من 122

الرسالة الثالثة

الحَنِيفِيَّة مِلَّة إِبْرَاهِيم

إن الحنفية ملة إبراهيم [13]

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[13] قوله: إن الحنيفية ملة إبراهيم: أي الذي يجب أن تعلمه وأن تعرفه أن الحنيفية ملة إبراهيم، والحنف في اللغة: الميل.

فمعنى الحنيفية هي الملة المائلة عن الشرك إلى التوحيد، وإبراهيم - عليه الصلاة والسلام - كان حنيفا مسلما، حنيفا أي مائلا عن الشرك ومعرضا عنه إلى التوحيد والإخلاص لله - عز وجل -، قال تعالى: / إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ / [النحل: 120] فالحنيف من أوصاف إبراهيم - عليه السلام - بمعنى أنه معرض عن الشرك ومائل عنه بالكلية إلى التوحيد، متوجه بكل وجهته إلى التوحيد والإخلاص لله - عز وجل - قال الله تعالى: / ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا / [النحل: 123] وقال سبحانه: / مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ / [آل عمران: 67] .

هذه أوصاف إبراهيم - عليه السلام - العظيمة، منها أنه كان حنيفا، وأن ملته الحنيفية هي الملة الخالصة لله - عز وجل - التي ليس فيها شرك، وقد أمر الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن يتبع هذه الملة بقوله: / ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ / [النحل: 123] وأمرنا نحن كذلك أن نتبع ملة إبراهيم - عليه السلام - قال تعالى: / هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ / [الحج: 78] وهي دين جميع الرسل.

ولكن لكون إبراهيم - عليه الصلاة والسلام - أفضل الأنبياء بعد نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - لاقى في سبيل الدعوة إلى التوحيد من التعذيب ومن الامتحان ما لم يلقه غيره، فصبر على ذلك، ولكونه أبا الأنبياء فإن الأنبياء الذين جاءوا من بعده كلهم من ذريته - عليه الصلاة والسلام - فالحنيفية ملة جميع الأنبياء، وهي الدعوة إلى التوحيد والنهي عن الشرك، هذه ملة جميع الرسل، لكن لما كان لإبراهيم مواقف خاصة نحو هذه الملة نسبت إليه ولمن جاء بعده، والأنبياء كلهم من بعده كانوا على ملة إبراهيم، وهي ملة التوحيد والإخلاص لله - عز وجل-.

ما هي هذه الملة التي أمر نبينا - صلى الله عليه وسلم - باتباعها وأمرنا باتباعه؟ يجب علينا أن نعرفها، لأن المسلم يجب عليه أن يعرف ما أوجب الله عليه من أجل أن يمتثله، ومن أجل أن لا يخل به، لا يكفي الانتساب بدون معرفة، لا يكفي أن ينتسب للإسلام وهو لا يعرفه، ولا يعرف ما هي نواقض الإسلام، وما هي شرائع الإسلام، وأحكام الإسلام، ولا يكفي الانتساب لملة إبراهيم وأنت لا تعرفها، وإذا سئلت عنها تقول: لا أدري، هذا لا يجوز، يجب أن تعرفها جيدا من أجل أن تسير عليها على بصيرة، وألا تخل بشيء منها.

أن تعبد الله وحده مخلصا له الدين [14]

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[14] قوله: أن تعبد الله مخلصا له الدين: هذه ملة إبراهيم، أن تعبد الله مخلصا له الدين. تجمع بين الأمرين: العبادة والإخلاص، فمن عبد الله ولم يخلص له الدين لم تكن عبادته شيئا، فمن عبد الله، فصام وحج وصلى واعتمر وتصدق وزكى وفعل كثيرا من الطاعات؛ لكنه لم يخلص لله - عز وجل - في ذلك، إما لأنه فعل كل ذلك

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام