الرسالة الأولى
المسائل الأربع التي تضمنتها سورة العصر
اعْلَم رحِمَكَ اللهُ [2]
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[2] قوله: اعلم: كلمة تشير إلى الاهتمام بالموضوع فإذا قال اعلم: فمعناه أن الأمر الذي سيلقيه عليك أمر مهم، فهذه الكلمة تدل على أهمية الموضوع التي يبدأ بها فيه.
ومعنى اعلم: فعل أمر من العلم، أي تعلم، والعلم: هو إدراك الشيء على ما هو عليه في الواقع أو تصور الشيء على طبق الواقع.
وإدراك الشيء على خلاف ما هو عليه في الواقع أو تصور الشيء على خلاف الواقع فهو الجهل وهو ضد العلم.
قوله: رحمك الله: هذا دعاء لطالب العلم، فالشيخ يدعو لطلبة العلم بأن يرحمهم الله، وأن يلقي عليهم رحمته - سبحانه وتعالى - فهذا فيه التلطف من المعلم بالمتعلم، وأنه يبدأ بالكلام الطيب والدعاء الصالح حتى يؤثر ذلك فيه، ويقبل على معلمه.
أما إذا بدأ المعلم بالكلام القاسي والكلام غير المناسب فإن هذا يُنفره، فالواجب على المعلم وعلى من يدعو إلى الله، وعلى من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر التلطف بمن يخاطبه بالدعاء والثناء عليه والكلام اللين فإن هذا أدعى للقبول.
أما المعاند والمكابر فهذا له خطاب آخر قال الله سبحانه: / وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ / [العنكبوت: 46] .
فالذين ظلموا من أهل الكتاب وعاندوا وكابروا هؤلاء لا يخاطبون بالتي هي أحسن بل يخاطبون بما يردعهم، قال تعالى: / يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَاوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ / [التوبة: 73] ، المنافقون لا يجاهدون بالسلاح، وإنما يجاهدون بالحجة والكلام والرد عليهم بالغلظة ردعا لهم وتنفيرا للناس عنهم، وقال تعالى فيهم: / وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا / [النساء: 63] ، هؤلاء لهم خطاب خاص؛ لأنهم أهل عناد ومكابرة ولا يريدون الحق بل يريدون تضليل الناس فهؤلاء يخاطبون بما يليق بهم.
أما الطالب المسترشد فهذا يخاطب بالرفق والرحمة واللطف؛ لأنه يريد الحق ويريد العلم والفائدة.
قوله: اعلم رحمك الله: دعاء لك بالرحمة، فإذا رحمك الله فإنك تكون سعيدا بها في الدنيا والآخرة. إذا دخلت في رحمة الله، وهذا دعاء ومن عالم جليل ورجل صالح يرجى له القبول إن شاء الله.
أنه يجب علينا تعلم أربع مسائل [3]
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[3] قوله: يجب: الواجب: هو ما يثاب فاعله ويعاقب تاركه، والمستحب: هو ما يثاب فاعله ولا يعاقب تاركه، والمباح: لا ثواب في فعله ولا عقاب في تركه.
فقوله: يجب: يعني أن هذا الأمر ليس من المستحب، ولا من المباح بل هو من الواجب العيني.
فإذا تركنا تعلم هذه المسائل فإننا نأثم لأن هذا شأن الواجب، لم يقل يستحب لنا أو يستحسن لنا بل قال يجب علينا وجوبا، والوجوب معناه الحتم، من تركه يأثم، ولأن العلم لا يحصل عليه إلا بالتعلم، والتعلم يحتاج إلى عناية وجهد ووقت، ويحتاج إلى فهم وإلى حضور قلب، هذا هو التعلم.
قوله: أربع مسائل: يعني مباحث، سميت مسائل لأنها يجب أن يُسأل عنها وأن يُعنى بها.