الأولى: العلم [4]
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[4] قوله: العلم: المراد بالعلم هنا هو العلم الشرعي؛ لأنه هو الذي يجب تعلمه، وهذه المسائل يجب تعلمها على كل مسلم من ذكر أو أنثى أو حر أو عبد أو غني أو فقير أو ملك أو صعلوك، كل مسلم يجب عليه أن يتعلم هذه المسائل الأربع.
وهذا ما يسميه العلماء بالواجب العيني، وهو الذي يجب على كل أحد من المسلمين، فالصلوات الخمس على الرجال والنساء، وصلاة الجماعة في المساجد على الرجال هذا واجب على كل فرد من المسلمين أن يتعلمها؛ ولذلك قال: يجب علينا، ولم يقل: يجب على بعضنا، وإنما قال: يجب علينا، يعني معشر المسلمين، فهذا من العلم الذي يجب تعلمه على الأعيان؛ لأن العلم على قسمين:
الأول: ما يجب تعلمه على الأعيان، فلا يعذر أحد بجهله وهو ما لا يستقيم الدين إلا به، مثل أركان الإسلام الخمسة التي هي: الشهادتان، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام، لا يجوز لمسلم أن يجهلها بل لا بد أن يتعلمها.
لأن تعلم معنى الشهادتين إنما هو تعلم العقيدة، يتعلم المسلم العقيدة من أجل العمل بها، ويتعلم ما يضادها من أجل أن يتجنبه، هذا مضمون الشهادتين، كذلك يتعلم أركان الصلاة وشروط الصلاة، وواجبات الصلاة، وسنن الصلاة، يتعلم بالتفصيل هذه الأمور، ليس مجرد أنه يصلي وهو لا يعرف أحكام الصلاة. كيف يعمل الإنسان عملا وهو لا يعلم هذا العمل الذي يؤديه؟ كيف يؤدي الصلاة وهو جاهل بأحكامها؟ فلا بد أن يتعلم أحكام الصلاة، ومبطلات الصلاة، لا بد من تعلم هذا.
كذلك يتعلم أحكام الزكاة، ويتعلم أحكام الصيام، ويتعلم أحكام الحج، فإذا أراد أن يحج وَجَبَ عليه تعلم أحكام الحج وأحكام العمرة، من أجل أن يؤدي هذه العبادات على الوجه المشروع.
وهذا القسم لا يعذر أحد بجهله، وهو ما يسمى بالواجب العيني على كل مسلم.
القسم الثاني من أقسام العلم: فهو ما زاد عن ذلك من الأحكام الشرعية التي تحتاجها الأمة بمجموعها وقد لا يحتاجه كل أحد بعينه مثل أحكام البيع وأحكام المعاملات، وأحكام الأوقاف والمواريث والوصايا، وأحكام الأنكحة، وأحكام الجنايات، هذه لا بد منها للأمة، لكن لا يجب على كل فرد من الأمة أن يتعلمها بل إذا تعلمها من يحصل به المقصود من العلماء كفى هذا؛ ليقوموا بحاجة المسلمين من قضاء وإفتاء وتعليم وغير ذلك، هذا يسمى واجب الكفاية الذي إذا قام به من يكفي سقط الإثم عن الباقين، وإذا تركه الجميع أثموا جميعا.
لا بد للأمة من أناس يتعلمون هذا القسم لأنهم بحاجة إليه؛ لكن ما يقال لكل واحد: يجب عليك أن تتفقه في هذه الأبواب؛ لأنه قد لا يتأتى هذا لكل أحد، وإنما يختص هذا بأهل القدرة وأهل الاستطاعة من الأمة، ولأنه إذا تعلم هذا بعضُ الأمة قام بالواجب، بخلاف القسم الأول فكل واحد مسؤول عنه في نفسه، لأنه لا يمكن أن يعمل هذه الأعمال إلا عن علم، ولهذا قال الشيخ: يجب علينا، ولم يقل: يجب على المسلمين، أو يجب على بعضهم، بل قال: يجب علينا، أي على كل واحد منا وجوبا عينيا.
ولنعلم أيضا قبل الدخول في المسائل أن المراد بالعلم الذي يجب على الأمة إما وجوبا عينيا أو كفائيا أنه العلم الشرعي الذي جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم -.
أما العلم الدنيوي كعلم الصناعات والحِرَف والحساب والرياضيات والهندسة، فهذا العلم مباح يباح تعلمه وقد يجب إذا احتاجت الأمة إليه، يجب على من يستطيع لكن ليس هو العلم المقصود في القرآن والسنة والذي أثنى الله تعالى على أهله ومدحهم والذي قال فيه النبي - صلى الله عليه وسلم: /العلماء ورثة الأنبياء / [1] المراد العلم الشرعي.
وأما العلم الدنيوي فمن جهله فلا إثم عليه، ومن تعلمه فهو مباح له، وإذا نفع به الأمة فهو مأجور عليه ومثاب عليه، ولو مات الإنسان وهو يجهل هذا العلم لم يؤاخذ عليه يوم القيامة لكن من مات وهو يجهل العلم الشرعي
(1) أخرجه البخاري تعليقًا في كتاب العِلم، باب: العِلم قبل القول والعمل، بإثر الحديث (67) ، وأبو داوود (3641) وابن ماجة (223) ، والترمذي (2682) من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه.