المرتبة الثالثة: الإحسان، ركن واحد، وهو"أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك". [46]
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[46] الإحسان في اللغة: إتقان الشيء وإتمامه، مأخوذ من الحسن، وهو الجمال، ضد القبح، وهو ينقسم إلى أقسام:
أولا: إحسان بين العبد وبين ربه، وهذا هو المقصود.
ثانيا: إحسان بين العبد وبين الناس.
ثالثا: إحسان الصنعة وإتقانها، إذا صنع الإنسان شيئا أو عمل عملا فإنه يجب عليه أن يتقنه ويتمه.
النوع الأول: وهو الإحسان بين العبد وربه، بينه الرسول صلى الله عليه وسلم / لما سأله جبريل بحضرة الصحابة كما يأتي، فقال: الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك /.
فالإحسان بين العبد وبين ربه هو إتقانه العمل الذي كلفه الله به، بأن يأتي به صحيحا خالصا لوجه الله عز وجل، عمل الإحسان بين العبد وربه ما توفر فيه الإخلاص لله عز وجل، والمتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن الإحسان على مرتبتين، واحدة أعلى من الأخرى.
الأولى: أن تعبد الله كأنك تراه، بأن يبلغ بك اليقين والإيمان بالله كأنك تشاهد الله عيانا، ليس عندك تردد أو أي شك، بل كأن الله أمامك سبحانه وتعالى تراه عيانا، فمن بلغ هذه المرتبة فقد بلغ غاية الإحسان، تعبد الله كأنك تراه من كمال اليقين وكمال الإخلاص، كأنك ترى الله عيانا، والله جل وعلا لا يرى في الدنيا، وإنما يرى في الآخرة، ولكن تراه بقلبك حتى كأنك تراه بعينيك، ولذلك يجازى أهل الإحسان بالآخرة بأن يروه سبحانه وتعالى، لما عبدوه وكأنهم يرونه في الدنيا جازاهم الله بأن أفسح لهم المجال بأن يروه بأبصارهم في دار النعيم.
قال تعالى:/ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ / [يونس: 26] ، الزيادة هي النظر لوجه الله، السبب أنهم أحسنوا في الدنيا، فأعطاهم الله الحسنى، وهي الجنة، وزادهم رؤية الله عز وجل، تعبد الله كأنك تراه على المشاهدة، والمحبة والشوق إلى لقائه سبحانه وتعالى، تتلذذ بطاعته، وتطمئن إلى طاعته سبحانه وتعالى، تشتاق إليها، هذه طريقة المحسنين.
المرتبة الثانية: إذا لم تبلغ هذه المرتبة العظيمة فإنك تعبده على طريقة المراقبة، بأن تعلم أن الله يراك، ويعلم حالك، ويعلم ما في نفسك، فلا يليق بك أن تعصيه، وأن تخالف أمره، وهو يراك ويطلع عليك، وهذه حالة جيدة، ولكنها أقل من الأولى، وما دمت أنك تعلم أنه يراك فإنك تحسن عبادته وتتقنها؛ لأنك تعلم أن الله يراك، ولله المثل الأعلى لو كنت أمام مخلوق له منزلة وأمرك بأمر، وأنت تنفذ هذا الأمر أمامه وينظر إليك، هل يليق بك أن يقع منك إخلال بهذا الفعل؟
الحاصل: أن الإحسان على مرتبتين:
مرتبة المشاهدة القلبية: وهي أن تعبد الله كأنك تراه من شدة اليقين والإيمان، كأنك ترى الله عز وجل عيانا.
والمرتبة الثانية: وهي أقل منها، أن تعبد الله وأنت تعلم أنه يراك ويطلع عليك، فلا تعصيه ولا تخالف أمره سبحانه وتعالى.
هذه مرتبة الإحسان، وهي أعلى مراتب الدين، من بلغها فإنه بلغ أعلى مراتب الدين، وقبلها مرتبة الإيمان، وقبلها مرتبة الإسلام.
فالدين دوائر:
الدائرة الأولى: الإسلام، وهي واسعة حتى إنه يدخل فيها المنافق، ويقال له مسلم ويعامل معاملة المسلمين؛ لأنه استسلم في الظاهر، فهو داخل في دائرة الإسلام، ويدخل فيها ضعيف الإيمان الذي ليس معه من الإيمان إلا مثقال حبة خردل.