وافترض الله على جميع العباد الكفر بالطاغوت والإيمان بالله [77]
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[77] قال الشيخ رحمه الله: وافترض الله على جميع العباد الكفر بالطاغوت والإيمان بالله، ثم ذكر تعريف الطاغوت، فالطاغوت ذكره الله جل وعلا في آيات كثيرة منها قوله تعالى في سورة البقرة / فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ / اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ / [البقرة: 256، 257] وفي سورة النساء، قوله تعالى: / أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا / [النساء: 51] وهذه الآية في اليهود.
ويقول سبحانه في المنافقين: / أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ / [النساء: 60] وفي سورة النحل يقول جل وعلا: / وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ / [النحل: 36] الطاغوت: مأخوذ من الطغيان وهو مجاوزة الحد، يقال: طغى الماء إذا ارتفع منسوبه.
قال تعالى: / إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ / [الحاقة: 11] .
قال ابن القيم: معنى الطاغوت ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع أو مطاع [78]
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[78] أما معنى الطاغوت في الشرع فهو كما ذكر ابن القيم رحمه الله ونقله عنه الشيخ هاهنا، الطاغوت: ما تجاوز به العبد حده، العبد له حد لأنه عبد حدد الله له حدودًا يجب عليه أن يقف عندها، فإذا تجاوزها فإنه يكون طاغوتًا، فمن تجاوز حدود الله التي حددها لعباده وأمرهم أن لا يتجاوزوها وألا يقربوها فهو طاغوت، فإذا عصى الله وتجاوز حدوده وطغى فإنه يسمى طاغوتًا لأنه طغى وتعدى حدود الله.
فقوله: ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع أو مطاع.
هذا التعريف الشامل للطاغوت لأن الله جل وعلا أمر بعبادته وحده لا شريك له، وأمر باتباع رسوله صلى الله عليه وسلم، وأمر بطاعته وطاعة رسوله فيما حلل وحرم، فمن تجاوز هذا الأمر فهو طاغوت، من تجاوز حد العبادة التي أوجبها الله واختص بها ونفاها عن غيره، فعبد مع الله غيره فهو طاغوت، المشرك طاغوت؛ لأنه تجاوز الحد في العبادة وعبد مع الله غيره، صرف العبادة لغير مستحقها، وكذلك من عبد وهو راض.
الذي يعبده الناس بهذا ويفرح ويترأس بهذا الشيء ويتزعم هذا طاغوت، مثل فرعون والنمرود ومشايخ الطرق الصوفية الغلاة الذين يعبدهم أتباعهم ويرضون بذلك، أو يدعون الناس إلى هذا، أي إلى أن يعبدوهم كما سيأتي، فهذا طاغوت في العبادة.
قوله: أو متبوع: الله جل وعلا أمر جميع الخلق أن يتبعوا محمدًا صلى الله عليه وسلم، فلا يجوز لأحد أن يتبع غيره عليه الصلاة والسلام، فمن اتبع غير الرسول صلى الله عليه وسلم وزعم أن هذا جائز فإنه يكون طاغوتًا لأنه اتبع غير الرسول صلى الله عليه وسلم الذي أمر بإتباعه، فالاتباع خاص بالرسول صلى الله عليه وسلم، أما غيره من العلماء والدعاة فهؤلاء يتبعون إذا اتبعوا طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم. فالمتبع هو الرسول صلى الله عليه وسلم، أما هؤلاء فإنهم مبلغون فقط يتبعون للحق وما وافقوا فيه اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، وما خالفوا فيه الرسول فلا يجوز اتباعه.