والطواغيت كثيرون، ورؤوسهم خمسة، إبليس لعنه الله، ومن عبد وهو راض [79]
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[79] قوله: والطواغيت كثيرون، ورؤوسهم خمسة:
الطواغيت الذين ينطبق عليهم هذا التعريف: كل معبود أو متبوع أو مطاع كثيرون؛ ولكن رؤوسهم خمسة يعني أكابرهم خمسة.
الأول: إبليس لعنه الله، أي: طرده الله وأبعده عن رحمته بسبب أنه امتنع من السجود لآدم وعصى الله سبحانه وتعالى وتكبر وقال: / قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ / [ص: 76] فعصى أمر الله وتكبر فلعنه الله وطرده وأبعده، وسمي إبليس قيل: لأنه أبلس من الرحمة يعني يأس من الرحمة، فالْمُبْلِس هو اليائس من الشيء، فإبليس لعنه الله رأس الطواغيت لأنه هو الذي يأمر بعبادة غير الله، وهو الذي يأمر باتباع غير رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الذي يأمر بطاعة غير الله بالتحليل والتحريم، فإبليس هو مصدر الشر وهو رأس الطواغيت.
الثاني: من عُبِدَ وهو راض، أي: عبد وهو راض بعبادة الناس له فهو طاغوت، أما من عبد وهو غير راض بذلك فلا يدخل في هذا؛ لأن عيسى عليه الصلاة والسلام عبد من دون الله ولكنه غير راض بذلك، وأمه وعزير والأولياء والصالحون من عباد الله لا يرضون بهذا، بل كانوا ينكرون هذا ويحاربون من فعله، فمن عبد وهو غير راض بذلك فإنه لا يسمى طاغوتا.
ولذلك لما أنزل الله قوله: / إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ / [الأنبياء: 98] فرح المشركون، وقالوا: نحن نعبد المسيح ونعبد ونعبد .... ، إذًا هم معنا في النار، فأنزل الله تعالى: / إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ / لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ / [الأنبياء: 101 - 102] .
وفي الآية الأخرى قالوا: / وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ / [الزخرف: 58] يعنون عيسى عليه السلام ثم قال: سورة الزخرف الآية 58/ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ / إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ / [الزخرف: 58، 59] فهو عبد لله ولا يرضى أن يعبد من دون الله بل بعثه الله بإنكار ذلك: / مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ / [المائدة: 117] فالذي عبد وهو غير راض بذلك، لا يدخل في هذا الوعيد ولا يكون طاغوتًا؛ لأنه منكر لذلك؛ لأن الطاغوت هو الذي يرضى بأن يعبد من دون الله عز وجل.
ومن دعا الناس إلى عبادة نفسه [80]
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[80] والثالث: من دعا الناس إلى عبادة نفسه: مثل رؤوس المشركين الذين يدعون الناس إلى عبادة أنفسهم مثل فرعون قال: / فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى / [النازعات: 24] .
ومثل النمرود ومثل غلاة الصوفية الذين يدعون الناس إلى عبادتهم حتى إنهم يوصون الناس أن يعبدوهم بعدما يموتون فيقول أحدهم: إذا أعيتكم الأمور فأتوا إلى قبري، أي: إذا أعجزتكم الأمور فأتوا إلى قبري ولا يحول بينكم وبيني حفنة من التراب، يوصون الناس أن يأتوا إلى قبورهم ويعدونهم أنهم سيقومون بحوائجهم، فمن دعا الناس إلى عبادة نفسه حيا وميتًا فهو من رؤوس الطواغيت، وكذلك من دعا الناس إلى عبادة غيره من الطواغيت