فهرس الكتاب
الصفحة 96 من 122

وأرسل بـ"المدثر"، وبلده مكة، وهاجر إلى المدينة، بعثه الله بالنذارة عن الشرك، ويدعو إلى التوحيد، والدليل قوله تعالى: / يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ /قُمْ فَأَنْذِرْ /وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ /وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ / وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ / وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ /وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ / [المدثر: 1 - 7] . [59]

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[59] ثم نزل عليه قوله تعالى: / يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ / قُمْ فَأَنْذِرْ /هذا هو الإرسال وهذا معنى قول الشيخ: نبأه باقرأ وأرسله بالمدثر.

والفرق بين النبي والرسول أن النبي هو من أوحي إليه بشرع ولم يؤمر بتبليغه، والرسول هو من أوحي إليه بشرع وأمر بتبليغه، وتوضيح ذلك أن الرسول تنزل عليه شريعة وكتاب فهو نبئ باقرأ وأرسل بالمدثر على رأس الأربعين، وكذلك الأنبياء، والنبي يبعث بشرع من قبله، وكتاب من قبله، ويوفى إليه ببعض المسائل كأنبياء بني إسرائيل من بعد موسى، والمدثر معناه الملتحف لأنه صلى الله عليه وسلم أصابه شيء من الفزع، فقال: دثروني دثروني - أي: غطوني - فأنزل الله عليه: / يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ / قُمْ فَأَنْذِرْ /وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ / أي: عظمه / وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ /أي: طهر أعمالك من الشرك، فالأعمال تسمى الثياب، قال الله تعالى: /وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ/ [سورة الأعراف: 26] ، سمى التقوى لباسا.

والرجز: الرجز معناه الأصنام.

فاهجر: أي: اتركها وابتعد عنها.

فبعثه الله على رأس الأربعين، وبقي في مكة ثلاث عشرة سنة يدعو الناس إلى التوحيد وترك عبادة الأصنام، وحصلت مداولات بينه وبين المشركين، حصل عليه أذى وعلى من آمن به واتبعه، وحصلت مضايقات من المشركين في خلال ثلاث عشرة سنة، وقبل الهجرة بثلاث سنوات أسري به إلى بيت المقدس وعرج به إلى السماء، وفرضت عليه الصلوات الخمس فصلى بمكة ثلاث سنين، ثم تآمرت قريش على قتله وعلى الفتك به، فأذن الله له بالهجرة إلى المدينة فهاجر إلى المدينة، بعدما التقى بالأنصار في بيعة العقبة الأولى وبيعة العقبة الثانية.

هاجر إلى المدينة وأقام بها عشر سنوات، فالمجموع ثلاث وعشرون سنة، بعد النبوة عاش صلى الله عليه وسلم ثلاثا وعشرين سنة، ثلاث عشرة في مكة يؤسس دعوة التوحيد، وعشر سنوات في المدينة، ثم توفاه الله على رأس الثالثة والستين من عمره عليه الصلاة والسلام، فمدة عمره في الرسالة ثلاثة وعشرون سنة، وهذه البركة التي أنزلها الله عز وجل عليه وهذا العلم الغزير، وهذا الجهاد، وهذا التمكين في هذه المدة الوجيزة ثلاث وعشرين سنة، هذا من آيات الله سبحانه وتعالى، ومن بركات هذا النبي صلى الله عليه وسلم، وبركات دعوته، وبركات الوحي الذي أنزل إليه، وقبل هذا كله بإعانة الله عز وجل، وهو الذي أعانه، وهو الذي حماه وأيده ونصره حتى بلغت دعوته المشارق والمغارب، والحمد لله رب العالمين.

قوله: بعثه الله بالنذارة عن الشرك ويدعو إلى التوحيد: هذه دعوته صلى الله عليه وسلم: النذارة عن الشرك والدعوة إلى التوحيد، وهذا الذي يجب أن يسير عليه الدعاة في دعوتهم، أن يركزوا على الإنذار عن الشرك، والدعوة إلى التوحيد قبل كل شيء، وإلا لم تكن دعوتهم على منهج الرسول صلى الله عليه وسلم.

الرسول صلى الله عليه وسلم بعثه الله بالنذارة عن الشرك والدعوة إلى التوحيد، فلا بد من تأصيل هذا الشيء أولا، ثم بعد ذلك يتجه إلى بقية الأمور؛ لأنها لا تصلح الأمور إلا بوجود التوحيد، لو أن الناس تركوا الزنا والخمر والسرقة واتصفوا بكل فضيلة من الأعمال والأخلاق، لكنهم لم يتركوا الشرك، فلا فائدة من هذه الأمور ولا تنفعهم، بينما لو سلم الإنسان من الشرك وعنده كبائر دون الشرك فهو مرجو أن يغفر الله له، أو يعذب بقدر ذنوبه، ولكن مآله إلى الجنة لأنه موحد.

فالتوحيد هو الأصل والأساس، ولا نجاة إلا بوجود التوحيد أولا، ولذلك يجب التركيز عليه، والعناية به دائما وأبدا، ودعوة الناس إليه وتعليم الناس إياه، وأن يبين لهم التوحيد ما معنى التوحيد، وما معنى الشرك، لا بد أن

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام