أما الهجرة في الشرع: فهي كما عرفها الشيخ: الانتقال من بلد الكفر إلى بلد الإسلام، وهذه هي الهجرة الشرعية، والهجرة عمل جليل قرنه الله بالجهاد في كثير من الآيات.
لما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة جاء المهاجرون الذين كانوا في الحبشة إلى المدينة واجتمع المسلمون في المدينة، والحمد لله، وتكونت للمسلمين دولة في المدينة من المهاجرين والأنصار، ومن يسلم يأتي إليهم، عند ذلك شرع الله بقية شرائع الدين، ففرض على نبيه صلى الله عليه وسلم الصيام والزكاة في السنة الثانية من الهجرة، وفرض عليه الحج في السنة التاسعة من الهجرة على الصحيح، وبذلك تكاملت أركان الإسلام، أولها الشهادتان، وآخرها الحج إلى بيت الله الحرام.
والحاصل من هذا أن نعلم أن التوحيد هو المهمة الأولى في الدعوة إلى الله عز وجل، وأنه يبدأ الداعية به قبل أن يبدأ بالصلاة والصيام أو الزكاة أو الحج؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم بقي عشر سنين يدعو إلى التوحيد، وينهى عن الشرك، ولم يؤمر بصلاة، ولم يؤمر بزكاة ولا بحج ولا بصيام، وإنما فرضت عليه هذه الفرائض بعد أن تقرر التوحيد.
فالنبي صلى الله عليه وسلم كان إذا بعث الدعاة يأمرهم أن يدعو الناس أول ما يدعون إلى التوحيد كما في حديث معاذ: / إنك تأتي قوما من أهل الكتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، فإن هم أجابوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات. . . /إلخ الحديث [1] .
فدل على أنه لا يؤمر بالصلاة ولا الزكاة ولا بالصيام إلا بعد تحقيق التوحيد ووجود التوحيد، وأن من بدأ بغير التوحيد فإن دعوته فاشلة ومنهجه مخالف لمنهج الرسل كلهم عليهم السلام.
الرسل كلهم أول ما يبدؤون به التوحيد وإصلاح العقيدة، وهذا منهج مهم معرفته للسالكين؛ لأنه كثر اليوم مَنْ يعكر على هذا المنهج فيغير هذا المنهج ويختار منهجًا لنفسه من عنده ومن عند غيره من الجهلة، لا بد من الرجوع إلى منهج الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذه فائدة معرفة الرسول صلى الله عليه وسلم وسيرته وجعل ذلك من الأصول الثلاثة، تعرف كيف دعا الناس، وما منهجه صلى الله عليه وسلم في دعوتهم؟ حتى تسير عليه لأنه هو القدوة عليه الصلاة والسلام.
فريضة على هذه الأمة من بلد الشرك إلى بلد الإسلام، وهي باقية إلى أن تقوم الساعة [64]
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[64] الهجرة قرينة الجهاد في سبيل الله، وهي فريضة باقية غير منسوخة، يجب على كل مسلم يحتاج إلى الهجرة أن يهاجر، ولا يجوز للمسلم أن يقيم في بلاد الكفر وهو لا يقدر على إظهار دينه، فيجب عليه أن يهاجر إلى بلاد المسلمين فهي فريضة باقية لقوله صلى الله عليه وسلم: / لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة، ولا تنقطع التوبة حتى تخرج الشمس من مغربها / [2] .
والدليل قوله تعالى: / إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَاوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا / إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا / فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا /
(1) أخرجه البخاري (1395) ومسلِم (19) مِن حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
(2) أخرجه أبو داوود (3479) ، وأحمد 28/ 111 (16906) مِن حديث معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما.