و"لو أراد الله ورسوله من كلامه خلاف حقيقته وظاهره الذي يفهمه المخاطب، لكان قد كلفه أن يفهم مراده بما لا يدل عليه، بل بما يدل على نقيض مراده، وأراد منه فهم النفي بما يدل على غاية الإثبات ..." (1) .
ولا ريب أن هذا ينافي قصد البيان والهدى والإرشاد الذي اتصف به الله تعالى واتصف به رسوله -صلى الله عليه وسلم-، فالله تعالى يقول عن نفسه: {يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا} [النساء: 176] ، ويقول: {يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [النساء: 26] .
ويقول عن نبيه -صلى الله عليه وسلم-: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى: 52] ، ويقول أيضًا: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128) } [التوبة: 128] .
وعلى هذا، فالواجب حمل نصوص الكتاب والسنة على ظاهرها، واعتقاد أنه حق، فمن رام غير هذا مؤْثرًا تحريفات المبطلين وتأويلات الجاهلين، على بيان رب العالمين، الذي قال عن نفسه: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا} [النساء: 87] ، {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا} [النساء: 122] ، وبيان رسوله الصادق الأمين، الذي قال له ربه: {وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا} [النساء: 63] ، فقد خاب وخسر وضل عن الصراط المستقيم والطريق القويم، كما أن سلوكه هذا السبيل يلزم منه أحد محاذير ثلاثة، لا بد منها أو من بعضها، وهي:
القدح في علم المتكلم بها -وهو الرسول -صلى الله عليه وسلم- أو في بيانه، أو في نصحه (2) ، فيكون هؤلاء المحرفون المبطلون أعظم منه علمًا، وأشد نصحًا، وأفصح لسانًا، وأحسن بيانًا وتعبيرًا عن الحق"وهذا مما يَعْلَم بطلانه"
(1) الصواعق (1/ 310 - 311) .
(2) انظر تقرير ذلك: في الصواعق المرسلة (1/ 324 - 325) من كلام الشيخ عبد الله بن تيمية. وانظر أيضًا: (1/ 314 - 316) ففيه نقل ابن القيم عن شيخ الإسلام ابن تيمية ما يلزم الصارف للنصوص عن ظاهرها من اللوازم الباطلة.