وهم الذين أرادوا تنزيه الله تعالى عن مشابهته للمخلوقين فنفوا الصفات الإلهية التي أثبتها الله تعالى في كتابه، وأثبتها له رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته. فلما نفوها عطلوا ذات الباري عن الصفات فعبدوا إلهاً مجرداً عن صفات، لا يسمع ولا يبصر ولا ينزل ولا يد له
وهؤلاء هم الجهمية والمعتزلة بفرقها المشهورة. [1]
-فالجهمية نفوا عن الله صفاته وأسماءه وأثبتوا أنه حيٌ، وأنه ليس شيئاً، وتوقفوا في إثبات أنه موجود أو أنه غير موجود؟
-والمعتزلة نفوا الصفات وأثبتوا أسماءً مجردة عن المعاني فقالوا: عليم بلا علم، سميع بلا سمع، متكلم يخلق كلامه وما قولهم عن الجهمية ببعيد، لكنهم أرادوا التلقين والتدليس؛ ولذا اسم الجهمية يشملهم في القرنين الثاني والثالث.
أصل شبه المعطلة:
لما وردت صفات الله تعالى في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم حصل توافق في أصل المعنى اللغوي بينها وبين صفات المخلوقين وهو القدر اشترك، فطلبوا تنزيه الله تعالى [2] عما توهموه، من وجود المشابهة بينه وبين المخلوق - فدفعوا هذا بنفيهم للصفات وتأويلها وتحريفها.
(1) مصادر أقوال الجهمية والمعتزلة كتب المقالات والفرق خاصة مقالات الإسلاميين. وأقوال المعتزلة تناولتها بواسطة كتابي القاضي عبد الجبار: المغني في أبواب العدل والتوحيد، وشرح الأصول الخمسة، ولن أعز ولكل فرقة مصادر أقوالها اختصاراً؛ لأن المراد هنا هو إعطاء الصورة عن فكر القوم وعقيدتهم ومواطن الغلو فيها فقط.
(2) هذا القول على سبيل التنزل معهم على ما ادعوه، وإلا فالكيد للإسلام ومحاولة إفساده ظاهرة من بداية نشأتهم. وهم لما تحاجوا مع النصارى واتهموهم بتشبيه المخلوق بالخالق أجابهم النصارى بأنكم تشبهون الخالق بالمخلوق في إثباتكم لله سمعاً وبصراً ... فنفوها. وكذلك عند مناقشتهم لدليل الفلاسفة في قدم العالم ونقضه بالقول بحدوث العالم المسمى بدليل الأعراض في الأحداث ألزمهم الفلاسفة نفي صفات الله لئلا يكون محلاً للحوادث فنفوها.