لأنهم قالوا: ليس للإنسان حرية؛ لا اختيار ولا قدرة ولا إرادة بل هو كورق في مهب الريح، وميت بين يدي مغسلة، وكرجل مكفوف الأيدي والأرجل رمي في بحر وأمر بالسباحة وألا يغرق.
وأن نسبة الأفعال إلى الإنسان كنسبتها إلى الجمادات: كجري الماء وجري الدم في العروق ودوران الرحى، وطلوع الشمس هذه نسبة مجاز؛ لأن الله هو الذي خلق فيها هذا الفعل، فالإنسان عندهم مجبورٌ في كل ما يفعله - ليس له إرادة بل هو مسير مطلقاً.
وقال بهذا القول بعض المتصوفة - كما حكاه ابن تيمية في الحسنة والسيئة ص 108: (( أنهم يوافقون جهماً - يعني المتصوفة - في مسائل القدر والقضاء وإن كانوا منكرين له في مسائل الصفات ) )اهـ.
منها النصوص الواردة في إثبات أن الله خالق كل شيء والعبد فعله من مخلوقاته. قال تعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} [الزمر: 62] وقوله: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} [الرعد: 16] ونحوها. فأفعال العباد واختياراتهم شيء فهي مخلوقة والله خالقها - فعليه لا قدرة ولا اختيار للعباد فيكونون مجبورين.
مناقشة هذه الشبهة: من وجوه:
1 ـ نعم كل ما في الوجود هو مخلوق لله تعالى فالله خالقه وصانعه وموجده.
2 ـ إرادة العباد واختياراتهم مخلوقة لله باعتبار أنها صادرة من مخلوقات الله ولكونها داخلة في قدرة الله ومشيئته فلا يفعل العبد فعلاً خارجاً عن إرادة الله - ذلك لقدرة الله البالغة وإرادته الشاملة سبحانه.
3 ـ الآية لا تنفي حقيقة فعل العبد وتصرفاته واختياره، لكن فعل العبد غير مستقل عن قُدرة الله وقَدرِه، بل داخل فيها. بل ما تدل عليه الآية هو أن كل شيء