فهرس الكتاب
الصفحة 23 من 122

إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ / [الممتحنة: 4] . وقوله: / وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ / [التوبة: 114] . هذه ملة إبراهيم تبرأ من أبيه، أقرب الناس إليه لما تبين له أنه عدو الله.

ودلت الآية أيضًا على أن محبة الكافر تتنافى مع الإيمان بالله واليوم الآخر، إما مع أصله أو مع كماله، لكن إن كانت محبتهم معها تأييد لمذهبهم وكفرهم فهذا خروج عن الإسلام، أما إن كان مجرد محبة من غير مناصرة لهم فهذا يعتبر منقصًا للإيمان وفسقًا ومضعفًا للإيمان.

قيل: إن هذه الآية نزلت في أبي عبيدة بن الجراح رضي الله تعالى عنه - لما قتل أباه يوم بدر؛ لأن أباه كان على الكفر، وكان يريد أن يقتل ابنه أبا عبيدة، فقتله أبو عبيدة - رضي الله عنه - لأنه عدو الله ولم يمنعه أنه أبوه، لم يمنعه ذلك من قتله غضبًا لله - سبحانه وتعالى -.

قوله تعالى:/ أُولَئِكَ /: أي الذين يبتعدون عن محبة ومودة من حاد الله ورسوله.

قوله تعالى: / كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ /: أي أثبت الله في قلوبهم ورسخ الله في قلوبهم الإيمان.

قوله تعالى: / وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ /: التأييد معناه التقوية، قواهم بروح منه، والروح لها عدة إطلاقات في القرآن، منها الروح التي هي النفس التي بها الحياة، ومنها الوحي كما في قوله تعالى: / وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا / [الشورى: 52] ومنها جبريل - عليه السلام - أنه روح القدس، والروح الأمين.

قال تعالى: / قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ / [النحل: 102] وقال تعالى: / نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ / [الشعراء: 193] ومنها ما في هذه الآية وهي القوة.

فأيدهم بروح منه أي بقوة منه سبحانه وتعالى، قوة إيمان في الدنيا، وفي الآخرة /وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ /جمع جنة، والجنة في اللغة البستان، سمي جنة لأنه مجتن بالأشجار، أي: مستتر ومغطى بالأشجار الملتفة، لأن الجنة ظلال وأشجار وأنهار وقصور وأعلاها وسقفها عرش الرحمن سبحانه وتعالى.

قوله تعالى: / تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا / أي: باقين فيها لا يتحولون عنها قال تعالى:/ لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا / [الكهف: 108] لا يخافون من موت ولا يخافون من أحد يخرجهم ويطردهم، مثل ما في الدنيا، قد يكون الإنسان في الدنيا في قصور لكن لا يسلم من الموت فيخرج منها، ولا يسلم من الأعداء يتسلطون عليه ويخرجونه، الإنسان في الدنيا دائمًا خائف.

قوله تعالى: / رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ /: لما أغضبوا أقرباءهم من الكفار وعادوهم منحهم الله الرضا منه سبحانه وتعالى جزاءً لهم، فهم عوضوا بإغضابهم لأقاربهم الكفار، عوضوا برضا الله سبحانه وتعالى، رضي الله عنهم ورضوا عنه.

قوله تعالى: / أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ / أي: جماعة الله، وأما الكفار فهم حزب كما قال الله تعالى عنهم: / أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ / [المجادلة: 19] أي جماعة الشيطان وأنصار الشيطان، أما هؤلاء فهم أنصار الرب.

فهذه المسألة تتعلق بعداوة الكفار وعدم موالاتهم، وهي لا تقتضي أننا نقاطع الكفار في الأمور والمنافع الدنيوية، بل يستثنى من ذلك أمور:

الأول: أنه مع بغضنا لهم وعداوتنا لهم يجب أن ندعوهم إلى الله سبحانه وتعالى، يجب أن ندعوهم إلى الله ولا نتركهم ونقول هؤلاء أعداء الله وأعداؤنا، يجب علينا أن ندعوهم إلى الله لعل الله أن يهديهم، فإن لم يستجيبوا فإنا نقاتلهم مع القدرة، فإما أن يدخلوا في الإسلام، وإما أن يبذلوا الجزية إن كانوا من اليهود والنصارى أو المجوس وهم صاغرون، ويخضعون لحكم الإسلام، ويتركون على ما هم عليه، لكن بشرط دفع الجزية وخضوعهم لحكم الإسلام، أما إن كانوا غير كتابيين وغير مجوس ففي أخذ الجزية منهم خلاف بين العلماء.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام