الكراسي تَهافُتَ الفَرَاشِ على الضَّوْء؛ بل كانوا يتحرجون من قبولها وتقلُّدِها، فضلاً عن أن يرشحوا أنفسهم للإمارة ويُزَكُّوا أنفسهم وينشروا الدعايات لها.
ثالثًا: أنهم لم يكونوا خدمة جنس أو رسل شعب ووطن يسعون لرفاهيته ومصلحته وحده ويفضلونه على جميع الأقطار؛ فلم يُخْلَقوا إلا ليكونوا حُكَّامًا، ولم تخلق إلا لتكون محكومة لهم، ولم يخرجوا حبًا للسيطرة وتأسيس دولة لا تغرب عنها الشمس يتكبرون تحت ظلها وفي حمايتها، وإنما حكموها ليعبد الله وحده وليخرجوا الخلق من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده، وأن يُخْرِجوهم من ضيق الدنيا إلى سَعَتِها، ومن جَوْرِ الأديان إلى عدل الإسلام، لا فَضْلَ لعربيٍّ على عجمي إلا بالتقوى.
قال عمر بن الخطاب لعمرو بن العاص فاتح مصر وحاكمها وقد ضرب ابنُه مصريًا: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا. فلم يبخلوا بما عندهم من دين وعلم وتهذيب على أحد، ولم يراعوا في الحكم والإمارة نسبًا ولونًا ووطنًا؛ بل كانوا سحابة رحمة هطلت على البلاد وعمت العباد وانتفعت بها الأرض على قدر قبولها وصلاحها، في ظل هؤلاء وتحت حكمهم نال كل فرد منهم نصيبه من الدين والعلم