وإذا كان الجودُ المحضُ الإلهيُّ مبدأً لفيضان الوجود الخيريّ الصواب، كان وجود القسم الأول واجباً فيضانُه، مثل وجود الجواهر العقلية، وكذا القسم الثاني يجب فيضانُه، فإنّ تركَ الخيرِ الكثير تحرُّزاً من شرٍّ قليلٍ شرٌّ كثيرٌ، وذلك مثل النار والأجسام الحيوانيَّة، فإنه لا يمكنُ أن تكون لها فضيلتُها إلا أن تكون بحيث يمكن أن تتأدَّى أحولها في حركاتها وسَكَناتها إلى اجتماعاتٍ ومصادماتٍ مؤذيةٍ، وأن تتأدِّى أحوالها وأحوال الأمور التي في العالم إلى أن يقعَ لها خطأُ عقدٍ ضارّ في المعاد أو في الحق أو فرطِ هيجانٍ غالبٍ عاجلٍ من شهوةٍ أو غضبٍ ضارٍّ في أمر المعاد، وتكون القوى المذكورة لا تغني غناها، إلا أن تكون بحيث لها عند التلاقي مثلُ هذه الأشياء، ويكون ذلك (1) في أشخاصٍ أقلَّ من أشخاص السالمين وأوقاتٍ أقلَّ من أوقات السلامة، ولأن هذا معلومٌ في العناية الأولى، فهو كالمقصود بالعَرَض، فالشرُّ داخلٌ في القدرة بالعَرَضِ، كأنه مرضيٌّ به بالعرض.
وفي الجملة الحاصِلُ في المذهب أن كلَّ حادثٍ كان بإرادة الله على أيِّ وصفٍ كان، إلا أن الطاعةَ بمشيئته وإرادتِه ورضاه ومحبَّتِه وأمرِه وقضائِه وقَدَرِه، والمعصيةَ بقضائِه وقدرتِه وإرادتِه ومشيئتِه، وليس بأمرِه ورضاه ومحبَّتِه، لأن محبَّتَه ورضاه يَرجِعان إلى كونِ الشيء مُستَحسناً، وذا يَليقُ بالطاعات دون المعاصي.
(1) قوله: «ويكون ذلك» متعلق بقوله: «فإن تركَ الخير الكثير تحرُّزاً من شرٍّ قليلٍ شرٌّ كثيرٌ» بدليل أن التصادم للأجسام القليلة في أوقات قليلة. اهـ من حاشية النسخة (ب) .