(واعلم أن تقدير الخير والشرِّ كلِّه من الله تعالى) لأنه خالقُ جميع المُمكِنات، ومِن جُملَتِهِ الشرُّ، فيكونُ خالقاً له أيضاً، فمَن زعمَ أن الشرَّ لا يكونُ من الله تعالى يكونُ كافراً لإشراكه بالله تعالى، ولهذا قال الإمام رحمه الله تعالى: (لأنه لو زعمَ أحدٌ أن تقديرَ الخيرِ والشرِّ من عنده لصارَ كافراً بالله تعالى وبَطَلَ توحيدُه) وكيف ذلك وقد قال الله تعالى:?إنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ? [القمر: 49] ، وقال تعالى: ?قُلْ كُلّ مِن عِنْدِ الله? [النساء: 78] ، وقال النبيُّ عليه السلام: «القَدَرُ خَيرُه وشَرُّه مِنَ الله تعالى» (1) وهو حديثٌ مشهورٌ، وتمامُ البحث في هذا يجيءُ مستوفىً في الفصل الذي يليه إن شاء اللهُ تعالى.
قال: (والثاني: نُقِرُّ بأنَّ الأعمالَ ثلاثةٌ: فريضةٌ وفضيلةٌ ومعصيةٌ(2 ) ) .
(1) أخرجه الإمام أبو حنيفة في «الفقه الأبسط» ص42 عن علقمة بن مرثد، عن يحيى بن يَعمَرَ، عن ابن عمر، ضمن حديث مطوَّل بقصة قدوم جبريل في صورة أعرابي. وهذا إسناد صحيح. وأصله في «صحيح مسلم» (8) من حديث عمر رضي الله عنه.
وأخرجه أبونعيم في «مسند أبي حنيفة» ص152من طرق عن الإمام، به. ... =
= وأخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (13581) من طريق عطاء، عن ابن عمر.
وقد تابَعَ الشارحُ في القول بشُهرة هذا الحديث الإمامَ النسفيَّ في «تبصرة الأدلة» 2: 717، والظاهر أنهما إنما أرادا شُهرة معناه.
(2) ذِكرُ الإمام رضي الله عنه لهذه الأحكام الشرعية، مع أن كلامه في العقائد ليس ذكراً أصيلاً، وإنما هو تمهيدٌ ومقدمةٌ لبيان تعلقات مشيئته تعالى بها، وهذا لا يُعاب في العلوم، كما أنه سيذكر في آخر هذا المتن بعضَ القضايا الفقهية لا بالنظر إليها من جهة كونها أعمالاً، وإنما من جهة طريق ثبوتها.