الحمدُ لله المتوحِّدِ بوجوب الوجود والبقاء، المتفرِّدِ بالقدرة الكاملة والعِزِّ والكبرياء، مُبدِع نظامِ الموجودات على أحسنِ الترتيبِ والولاء، ومخصِّص نوعِ الإنسان بإدراك حقائق الأشياء، والصلاةُ والسلام على خير البريَّةِ محمدٍ أشرفِ الأنبياء، وعلى آله وأصحابه البَرَرة الأتقياء.
يقول العبدُ الفقير النحيف الحنيف، المرتجي من لطفِ ربِّه الخفي، محمد بن محمود بن أحمد المدعوُّ بالأكمَلِ الحنفي، يسَّرَ اللهُ أمنيَّتَه، وسهَّلَ عليه منيَّتَه: لمَّا رأيتُ كتابَ «الوصيَّة» المنسوبَ إلى الإمام الأعظمِ أقدمِ المجتهدين سراجِ الملَّة الحنفيَّة أبي حنيفة قدَّسَ اللهُ روحَه ونوَّر ضريحَه، وافياً لِمَا يُحتاجُ إليه في أصول الدين، كافياً لِمَا يَجِبُ الاعتقادُ به على المسلمين، جمعتُ له في كلام المشايخِ فوائدَ تُبيِّنُ ميامنَ فوائده، وتُعيِّنُ مكامِنَ فرائده، تُقرِّرُ ما أرادَ من معانيه، وتُحرِّرُ ما أفادَ من مبانيه، تُفصِحُ عن معاقِدِ القواعد، وتُوضحُ وجهَ الاستِدلال على العقائد، مُجيباً عمَّا يَرِدُ على ما فيه، مُشيراً إلى مذاهبِ مُخالفيه، وشَرَطتُ على نفسي أن لا أتجاوز المراد، ليكونَ سهلَ المأخَذِ سَلِسَ القِياد (1)
(1) القِياد ــ بكسر القاف ــ: الحبل الذي يوضع في عنق الدابة فتقاد به، ثم قيل: فلان سَلِسُ القياد وصعبُه على المثل. «لسان العرب» (قود) .
وانفردت النسخة (ف) هنا بزيادة: «وجعلته تحفةً لحضرة الأمير الكبير الأجلّ العامل الكامل الفاضل البارع الورع التقي النقي، محبوبِ الملوك والسلاطين، المخصوصِ بعناية ربِّ العالمين، مَلاذِ الغُرباء والمساكين، وكهفِ الفُقراء والمظلومين، الذي لم تَزَل أنوارُ =
= شمائلِه زاهرة، وأمواجُ بحورِ فيضِ فضائلِه زاخرة، أميرِ سيف الدولة والدِّين، قرابغا الخاصك، لا زالت أعلامُ السِّيادة بدوام دولته منصوبة، وأبوابُ السعادة ببقاء وجهه الكريم مفتوحة، أيَّده اللهُ تعالى إلى انتهاء الأدوار، وإلى انطواء صحائف الأعمال، وسألتُ الله أن يجعله نافعاً للطلبة، إنه أعزُّ مسؤول وأكرمُ مأمول، والله حسبي ونعم الوكيل».