وقد صح الحديث عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"حوضي مسيرة شهر، ماؤه أبيض من اللبن، وريحه أطيب من المسك، وكيزانه كنجوم السماء، من شرب منها فلا يظمأ أبداً" [1] .
وقوله (وأباريقه عدد نجوم السماء) أي: عدد الأباريق التي يسقى بها كعدد نجوم السماء كثرة، وهذا إشارة إلى أن نبينا صلى الله عليه وسلم أكثر الأنبياء تابعاً يوم القيامة، وهذا مما شرف به الله تعالى نبينا على سائر الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، كما قال صلى الله عليه وسلم:"إن لكل نبيٍ حوضاً، وإنهم يتباهون أيهم أكثر واردةً، وإني أرجو أن أكون أكثرهم واردةً" [2] ، فلتستكثر أيها المسلم إذاً من الذرية الصالحة عسى أن تكون ممن يباهي بهم النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة.
وقوله (من شرب منه شربةً لم يظمأ بعدها أبداً) : دليله قول النبي صلى الله عليه وسلم:"أنا فرطكم على الحوض، من ورد شرب، ومن شرب لم يظمأ أبداً" [3] ، ويحتمل أن من شرب من حوض النبي صلى الله عليه وسلم فهو علامة على أنه ممن قُدر له السلامة إن شاء الله فيدخل الجنة، ومن دخل الجنة لا يظمأ فيها لقوله تعالى: {وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى} [4] ، ويحتمل أنه لخاصية في ماء الحوض والله تعالى أعلم بالصواب.
وقوله (مَن شرب منه) : يدل على أنه ليس كل أحد يشرب من الحوض، كما في بقية الحديث السابق:"وليردنَّ عليَّ أقوامٌ أعرفهم ويعرفوني ثم يُحال بيني وبينهم" [5] ،
وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"ألا ليُذادن رجالٌ عن حوضي كما يُذاد البعير الضال أناديهم: ألا هلم، فيقال: إنهم قد بدّلوا بعدك، فأقول: سحقاً سحقاً" [6] ، وهذا وعيدٌ شديد لمن بدل بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، يدخل فيه من بدل بالردة والكفر بعد الإيمان، ومن بدل بعده بالابتداع والإحداث في الدين لأن لفظ التبديل يتناول ذلك كله، فهذا وعيد شديد لأهل البدع.
قال الإمام القرطبي رحمه الله:"فمن بدَّل أو غيَّر أو ابتدع في دين الله مالا يرضاه الله ولم يأذن به الله، فهو من المطرودين عن الحوض المبتعدين منه المسودي الوجوه، وأشدهم طرداً وإبعاداً من خالف جماعة المسلمين وفارق سبيلهم؛ كالخوارج على اختلاف فرقها، والروافض على تباين ضلالها، والمعتزلة على"
(1) صحيح البخاري - حديث 6208، وصحيح مسلم - حديث 247
(2) سنن الترمذي - حديث 2443، قال أبو عيسى: هذا حديث غريب
(3) صحيح البخاري - حديث 6212، صحيح مسلم - حديث 2290 واللفظ له
(4) طه - 119
(5) صحيح البخاري - حديث 6212، صحيح مسلم - حديث 2290 واللفظ له
(6) صحيح مسلم - حديث 249