و (قوله تعالى: {يُحبهم ويُحبونه} [1] : في هذه الآية الكريمة إثبات صفة الحب لله تعالى، وهي صفة كمال تليق بجلال الله عز وجل وعظيم سلطانه، ليس فيها شيء من النقص أو الحاجة للمخلوقين، بل هي صفة كمال لله تعالى، يحب من أطاعه حباً حقيقياً هو أعلم به وبكيفيته فلا نخوض في ذلك، بل نؤمن به ونعمل بمقتضاه وهو السعي في تحصيل أسباب حب الله تعالى لنا، ومن لم يؤمن بهذه الصفة، فكيف يسعى في تحصيل محبة الله تعالى له، ولأي شيء يعيش في هذه الدنيا إن لم يكن تحصيل حب الله تعالى له غاية المنتهى؟!
و (قوله تعالى في الكفار: {وغضب الله عليهم} [2] : في هذه الآية إثبات صفة الغضب لله تعالى عياذاً بالله من غضبه، والله تعالى يحب عباده المؤمنين، ويغضب على عباده الكافرين، وليست لهذه الصفات معانٍ غير معانيها المعروفة في اللغة، وهذه المعاني اللغوية لا تستلزم نقصاً أو مشابهةً للمخلوقين تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، بل هي صفات ثبوتية على وجه يليق بكمال الله تعالى لا ندرك كنهها ولا نخوض في تمثيلها وتكييفها وتصورها، بل نؤمن بها ونعمل بمقتضاها، فمن آمن أن الله تعالى يغضب، عمل بالأسباب التي تقيه غضب الله تعالى، ومن لم يؤمن أن الله تعالى يغضب فكيف يتقي غضب الله تعالى وهو يعيش حياته الدنيا مضيعاً لأوامر الله ومرتكباً لنواهيه؟!
فلعلك أيها المسلم بدأت تدرك خطورة إنكار صفات الله تعالى وتعطيل معانيها، وتدرك أيضاً أن هذه العقيدة ليست مجرد خلافات لفظية، بل هي أقوال وأعمال نزل بها الوحي وبلَّغها رسول الأمة صلوات ربي وسلامه عليه، وعمل بها الصحابة الكرام من بعده، وأن السعيد من تابعهم عليها بإحسان إلى يوم القيامة دون تبديل أو تحريف أو خوض بالعقول فيما لا طاقة لها به، وأن الشقي الطريد من ابتدع لنفسه طريقاً لم يأذن به الله ولم يبلغه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يسنه لنا صحابته الكرام رضوان الله عليهم أجمعين.
قال المصنف رحمه الله:
(1) المائدة - 54
(2) الفتح - 6