فهرس الكتاب
الصفحة 37 من 123

قول المصنف رحمه الله: (فمما جاء من آيات الصفات) أي: بعض ما جاء في القرآن من الآيات الدالة على صفات الله عز وجل، فمن في قوله مما للتبعيض.

وقوله (إخباراً عن عيسى عليه السلام) أي: حكايةً عنه عليه السلام، و (عيسى عليه السلام) هو عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى أمه الصِدِّيقة مريم بنت عمران عليها السلام، كما قال الله تعالى: {يا أهل الكتاب لا تَغْلُوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق إنما المسيح عيسى بن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروحٌ منه فآمنوا بالله ورسله ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيراً لكم إنما الله إلهٌ واحدٌ سبحانه أن يكون له ولد له ما في السماوات وما في الأرض وكفى بالله وكيلاً} [1] ،

وقوله (أنه قال: {تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك} [2] : وجه الدلالة من الآية إثبات صفة النفس لله تعالى؛ واختيار هذه الآية اختيارٌ موفقٌ من المصنف رحمه الله لأن صفة النفس جاءت في الآية مرتين؛ إحداهما منسوبة للمخلوق - وهو عيسى عليه السلام - والأخرى منسوبةٌ لذات الله سبحانه وتعالى، وهذا الاشتراك في اللفظ هو أساس احتجاج المعطلين للصفات الذين يزعمون أنهم ينزهون الله تعالى عن مشابهة المخلوقين، والحق أن هذه الاشتراك في اللفظ لا يستلزم اشتراكاً في الذات أو الصفات، فنفس الله تعالى غير نفس المخلوق، تماماً كما أن حياة الله تعالى غير حياة المخلوقين، ووجوده غير وجود المخلوقين، وعلمه غير علم المخلوقين، وكل العقلاء متفقون على أن الله تعالى موجودٌ حيٌ عالمٌ، ومتفقون أن المخلوق يوصف بكونه موجوداً حياً عالماً، ورغم هذا الاشتراك اللفظي فشتان ما بين وجود الله تعالى وحياته وعلمه، ووجود المخلوق وحياته وعلمه، والعمدة في هذا كله - كما تقدم - هو إثبات صفات الله تعالى دون تمثيل، وتنزيه صفات الله تعالى عن مشابهة المخلوقين دون تعطيل،

و (قوله تعالى: {رضي الله عنهم ورضوا عنه} [3] : في هذه الآية الكريمة إثبات صفة الرضا لله تعالى على وجه يليق بكمال الله تعالى وجلاله وتنزهه عن مشابهة المخلوقين، ولا نؤول هذه الصفة ولا نعطلها بل نؤمن بها كما جاءت ونعمل بمقتضاها الذي هو السعي في تحصيل أسباب رضا الله عنا، ومن لم يؤمن بهذه الصفة، فكيف يسعى في تحصيل مرضاة الله تعالى، ولأي شيء يعيش هذه الدنيا الفانية؟!

(1) النساء - 171

(2) المائدة - 116

(3) المائدة - 119

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام