وقوله (قال الله تعالى: {لئلا يكون للناس على الله حجةٌ بعد الرسل} [1] أي: حتى لا يتذرع الكفار العصاة حين يرون العذاب في الآخرة بأنه لم يُرسل إليهم رسول يبشرهم وينذرهم ولم ينزل عليهم كتاب يهديهم كما قال تعالى: {ولو أنا أهلكناهم بعذابٍ من قبله لقالوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولاً فنتبع آياتك من قبل أن نَذِل ونَخزى} [2] .
وقوله (ونعلم أن الله سبحانه ما أمر ونهى إلا المستطيع للفعل والترك) أي: أن التكليف شرطه الاستطاعة كما قال تعالى: {لا يكلف الله نفساً إلا وُسعها} [3] ، وفيه إثبات إرادةٍ وقدرةٍ للعبد بإذن الله تعالى.
وقوله (وأنه لم يجبر أحداً على معصية، ولا اضطره إلى ترك طاعة) أي: أن خلق الله تعالى لأفعال العباد التي اكتسبوها واقترفوها بفعلهم ليس إجباراً لهم على هذه الأفعال، وهذا ردٌ على الجبرية الذين نفوا قدرة العبد وجعلوه كالريشة في مهب الريح لا كسب له ولا فعل، ومذهب أهل الحق أهل السنة أن الله تعالى أمر ونهى وأقدر عباده على الاستجابة للأمر والنهي، وأن العبد يفعل فعله والله تعالى يخلق فعله، فللعبد إرادة وقدرة مفتقرة إلى إرادة وقدرة الله، ولله تعالى إرادة وقدرة غير مفتقرة إلى غير الله تعالى.
وقوله (قال الله تعالى: {لا يكلِّف الله نفساً إلا وُسعها} [4] : في هذه الآية مسائل منها؛
-إثبات التكليف وهو مشتق من الكلفة فكل التكاليف فيها نوع كلفة ومشقة لكنها غير خارجة عن المعتاد ولا تعارض وقوع التكليف،
-إثبات الوسع أي الاستطاعة للعبد،
-أن الاستطاعة شرط التكليف،
-سعة رحمة الله بعباده فلو شاء لكلفهم ما لا يطيقون.
وقوله (وقال تعالى: {اليوم تُجزى كلُّ نفسٍ بما كسبت لا ظلم اليوم} [5] أي: أن الله تعالى برحمته لا ينقص أحداً شيئاً من جزاء كسبه، مع أن رحمة الله خيرٌ له من كسبه، و(الظلم) : النقص، و (اليوم) في الآية يوم القيامة.
(1) النساء - 165
(2) طه - 134
(3) البقرة - 286
(4) البقرة - 286
(5) غافر - 17