هذه المسألة أن تتمسك بقوله تعالى: {لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون} [1] ، وهذا سر إيراد المصنف لهذه الآية بعد ذكره هداية الله تعالى وإضلاله من يشاء، ثم تعلم أن الله تعالى لا يظلم الناس شيئاً كما قال تعالى: {إن الله لا يظلم الناس شيئاً ولكن الناس أنفسهم يظلمون} [2] ، وقد أرسل الله تعالى رسله إلى عباده بالبينات والهدى، فتحققت هداية الإرشاد لهم جميعاً رحمةً منه، قال تعالى: {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً} [3] ؛ فمن أقبل منهم على هدى الله أسبغ الله تعالى عليه بمشيئته هداية التوفيق لقبول هذا الهدى والعمل به وهذه رحمةٌ ثانية يصيب بها الله تعالى من يشاء، ومن أعرض عن هدى الله تعالى ولم يسترشد بها أضله الله تعالى وصرفه عنه عقوبةً له، تأمل قول الله تعالى: {سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق وإن يروا كل آيةٍ لا يؤمنوا بها وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلاً وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلاً ذلك بأنهم كذَّبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين} [4] .
وقوله (قال الله تعالى: {لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون} [5] : استدلال على ما تقدم، فالله تعالى هو الملك يتصرف في مملكته كيفما يشاء، وتأمل هذا الحديث العظيم عن ابن الديلمي قال:"وقع في نفسي شيءٌ من هذا القدر خشيت أن يفسد علي ديني وأمري، فأتيت أُبَيَّ بن كعب فقلت: يا أبا المنذر! إنه قد وقع في نفسي شيء من هذا القدر فخشيت على ديني وأمري، فحدثني من ذلك بشيء لعل الله أن ينفعني به، فقال: لو أن الله عذّب أهل سماواته وأهل أرضه لعذبهم وهو غير ظالمٍ لهم، ولو رحمهم لكانت رحمته خيراً لهم من أعمالهم، ولو كان لك مثل جبل أُحد ذهباً أو مثل جبل أحد تنفقه في سبيل الله ما قُبِل منك حتى تؤمن بالقدر فتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وأن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وأنك إن مت على غير هذا دخلت النار، ولا عليك أن تأتي أخي عبد الله بن مسعود فتسأله، فأتيت عبد الله فسألته فذكر مثل ما قال أُبي، وقال لي: ولا عليك أن تأتي حذيفة، فأتيت حذيفة فسألته فقال مثل ما قالا، وقال: ائت زيد بن ثابت فاسأله، فأتيت زيد بن ثابت فسألته فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"لو أن الله عذب أهل سماواته وأهل أرضه لعذبهم وهو غير ظالم لهم، ولو رحمهم لكانت رحمته خيراً لهم من أعمالهم، ولو كان لك مثل أُحد ذهباً أو مثل جبل أُحد ذهباً تنفقه في سبيل
(1) الأنبياء - 23
(2) يونس -44
(3) الإسراء - 15
(4) الأعراف - 146
(5) الأنبياء - 23