الله ما قبله منك حتى تؤمن بالقدر كله، فتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما اخطأك لم يكن ليصيبك، وأنك إن مت على غير هذا دخلت النار" [1] ، فلعمري هذا هو الإيمان."
وقوله (وقال تعالى: {إنّا كلَّ شيءٍ خلقناه بقَدَر} [2] أي: التقدير والقدرة؛ فمن التقدير قوله تعالى: {وخلق كل شيءٍ فقدَّره تقديراً} [3] ، ومن القدرة قوله تعالى: {والله خلق كل دابةٍ من ماء فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجلين ومنهم من يمشي على أربع يخلق الله ما يشاء إن الله على كل شيء قدير} [4] .
وقوله (وقال تعالى: {ما أصاب من مصيبةٍ في الأرض ولا في أنفسكم إلافي كتابٍ من قبل أن نبرأها} [5] : أشار المصنف بإيراده هذه الآية إلى نوع القدر الذي يُحتَجُّ به ألا وهو الاحتجاج بالقدر على المصائب وعلى ما لا يدخل تحت التكليف الشرعي؛ ومَن فهم هذا فهم احتجاج آدم على موسى عليهما السلام بالقدر في الحديث الصحيح عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"احتج آدم وموسى فقال موسى: أنت آدم الذي أخرجت ذريتك من الجنة! قال آدم: أنت موسى الذي اصطفاك الله برسالاته وكلامه، ثم تلومني على أمرٍ قد قُدر علي قبل أن أُخلق، فحجَّ آدمُ موسى" [6] ، فاحتجاج آدم عليه السلام بالقدر هو على مصيبة الإخراج من الجنة لا على الذنب، فتنبه.
وقوله (وقال الله تعالى: {فمن يُرد الله أن يهديَه يشرح صدره للإسلام ومن يُرد أن يُضلَّه يجعل صدره ضيِّقاً حَرَجاً} [7] : أشار المصنف رحمه الله بإيراده هذه الآية إلى نوع القدر الذي لا يصح الاحتجاج به وهو ما يقع مخالفاً للتكليف الشرعي، ومثال هذا احتجاج المشركين الباطل بالقدر حيث دحض الله تعالى حجتهم فقال: {سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرَّمنا من شيء كذلك كذَّب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا قل هل عندكم من علمٍ فتخرجوه لنا إن تتبعون إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون} [8] ، فأنكر الله تعالى عليهم هذا الاحتجاج.
(1) سنن ابن ماجة - حديث 77، واخرجه أبو داود - حديث 4699، والبيهقي - 20663
(2) القمر - 49
(3) الفرقان - 2
(4) النور - 45
(5) الحديد - 22
(6) صحيح البخاري - حديث 7077، وصحيح مسلم - حديث 2652
(7) الأنعام - 125
(8) الأنعام - 148