قال ابن قيم الجوزية رحمه الله:"والصواب في المسألة أن يقال إن ثواب قراءة الترتيل والتدبر أجلُّ وأرفع قدراً، وثواب كثرة القراءة أكثر عدداً؛ فالأول كمن تصدق بجوهرةٍ عظيمةٍ أو أعتق عبداً قيمته نفيسة جداً، والثاني كمن تصدق بعدد كثير من الدراهم أو أعتق عدداً من العبيد قيمتهم رخيصة".
وقوله (له أول وآخر) أي: أن القرآن الكريم كلامٌ من كلام الله تعالى وليس هو كلُّ كلام الله تعالى، والأولية إما أن تكون أولية الوحي أي أول ما نزل من القرآن أو أولية الترتيب كما في العرضة الأخيرة التي عرضها جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم، والآخرية كذلك إما أن تكون إشارة إلى آخر ما نزل أو إلى آخر سورة في ترتيب المصحف كما في العرضة الأخيرة، والمعنيان صحيحان، وفي هذا رد على بعض الفرق المبتدعة -كالروافض - الذين زعموا أن هناك قرآناً إضافة إلى ما في المصحف الذي أجمع الصحابة عليه، كما في مسألة مصحف فاطمة ونحوه مما يفتريه أهل الأهواء والبدع.
وقوله (متلوٌ بالألسنة محفوظٌ في الصدور) أي: أن هذا القرآن مأخوذٌ بالسماع ومحفوظ في صدور المؤمنين، أخذه المؤمنون سماعاً عن الصحابة الذين تلوه عليهم، وأخذه الصحابة سماعاً عن النبي صلى الله عليه وسلم الذي تلاه عليهم، وأخذه النبي صلى الله عليه وسلم عن جبريل بقلبه ولسانه كما قال تعالى: {لا تحرك به لسانك لتعجل به. إن علينا جمعه وقرآنه. فإذا قرأناه فاتَّبع قرآنه} [1]
وقوله (مكتوبٌ في المصاحف) أي: أن القرآن الكريم قد حفظ بطريقين هما الحفظ والكتابة، وهذا أبلغ في تحقيق وعد الله تعالى بحفظ القرآن حيث قال: {إنا نحن نزَّلنا الذِكر وإنا له لحافظون} [2] ، فلا بد من موافقة التلاوة للرسم، ولا يؤخذ الرسم إلا بالتلقي شفاهاً، وباجتماع رسم المصحف وتلاوة الألسن المتواترين يكون حفظ القرآن الكريم في الصدور والسطور.
قال المصنف رحمه الله:
(1) القيامة - 16 - 18
(2) الحجر - 9