وقوله (فما فوقهم محسِّر) : حسر البعير إذا أعيا وانقطع، أي أن من أفرط وزاد على هدي الصحابة وجاوز سنتهم فشأنه شأن الدواب التي يجاوز بها أصحابها حد الاعتدال فتعيا وتنقطع.
وقوله (وما دونهم مقصِّر) أي: أن من لم يتمسك بهدي الصحابة فقد فرَّط وضيَّع، والفرق بين هذا والذي قبله أن المقصر قد ترك هدي الصحابة ولم ينشغل بغيره وهم طرف التفريط، وأما المحسرون فهم الغلاة الذين تركوا هدي الصحابة طمعاً في الاهتداء بطريق آخر غير طريقهم وهم طرف الإفراط.
وقوله (لقد قصَّر عنهم قومٌ فجَفَوا) : الجفاء البعد، أي أن من فرَّط في التمسك بهدي الصحابة ومنهجهم فقد ابتعد عن الطريق الحق وفارق الصراط المستقيم.
وقوله (وتجاوزهم آخرون فغَلَوا) : الغلو مجاوزة الحد، أي أن من تجاوز ما سنه الصحابة وأحدث في الدين ما لم ينقلوه لنا فقد غلا، وقد قال تعالى منكراً على أهل الكتاب: {يا أهل الكتاب لا تغلُوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق} [1] ، وقال تعالى: {قل يا أهل الكتاب لا تغلُوا في دينكم غير الحق ولا تتبعوا أهواء قومٍ قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيراً وضلوا عن سواء السبيل} [2]
وقوله (وإنهم فيما بين ذلك لعلى هدىً مستقيم) أي: أن الصحابة هم أصحاب الصراط المستقيم وهم العدول الوسط ما بين فريقي الإفراط والتفريط، فالسعيد من التزم هديهم، والشقي من باينهم وناصبهم العداء.
قال المصنف رحمه الله:
وقال الإمام أبو عمرو الأوزاعي: عليك بآثار من سلف وإن رفضك الناس، وإياك وآراء الرجال، وإن زخرفوه لك بالقول.
الشرح:
(1) النساء - 171
(2) المائدة - 77