قول المصنف رحمه الله (وقال الإمام أبو عمرو الأوزاعي) : عبد الرحمن بن عمرو الألوزاعي، عالم أهل الشام، كان ثقةً فاضلاً مأموناً كثير الحديث والعلم والفقه، كان يقول: خمسةٌ كان عليها الصحابة والتابعون لزوم الجماعة واتباع السنة وعمارة المساجد والتلاوة والجهاد.
وقوله (عليك بآثار من سلف وإن رفضك الناس) أي: الزم السنة ولا تلتفت لرفض الناس لك ما دمت على الحق، وهذا يوافق ما أُثر عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال:"الجماعة الكتاب والسنة وإن كنت وحدك"، وفي رواية:"الجماعة أهل الحق ولو كنت وحدك"، قلت: وهذا معنى قول الأوزاعي وإن رفضك الناس، أي أن الجماعة ليست بالكثرة ولكن بما وافق الحق،
وقوله (وإياك وآراء الرجال، وإن زخرفوه لك بالقول) : تحذيرٌ من اتباع الهوى، قال الله تعالى: {أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علمٍ وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكَّرون} [1] ،
والآراء جمع رأي: وهو القول بما يراه العقل، وهو مذمومٌ إذا كان مخالفاً للنصوص الشرعية الصحيحة أو كان تأويلاً لها بغير قرينة دالة على إرادة التأويل،
والرجال: للتغليب وإلا فالرجال والنساء في هذا الحكم سواء، فلا يجوز لأحد أن يقول في الدين بمحض الرأي،
فعن الصحابي سهل بن حنيف رضي الله عنه قال:"يا أيها الناس اتهموا رأيكم على دينكم" [2] ،
وعن علي رضي الله عنه قال:"لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه، وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على ظاهر خُفَّيه" [3] ،
و (زخرفوه) الزخرفة: الزينة، أي احذر أقوال الناس القائمة على محض الرأي واتباع الهوى مهما زينوه لك وزوقوه، وهذه هي حيلة إبليس كما فضحه الله تعالى في القرآن: {ولأضلنَّهم ولأمنينَّهم ولآمرنَّهم فليبتِكنَّ آذان الأنعام ولآمرنَّهم فليغيرنَّ خَلق الله ومن يتخذ الشيطان ولياً من دون الله فقد خسر خسراناً مبيناً} [4] .
(1) الجاثية - 23
(2) صحيح البخاري - 6878
(3) سنن البيهقي - 1292
(4) النساء - 119