اللسان العربي والفطرة والفهم عن الرسول صلى الله عليه وسلم، فهم حين يُقدمون على أمر من أمور الدين يُقدمون عن علم، وحين يمسكون عن أمرٍ من أمور الدين يمسكون عن علم.
وقوله (ولَهُم على كشفها كانوا أقوى) أي: هذه البدع التي يدعي أهلها أنها بدعٌ حسنة، وأن فيها الخير، وأنها من الشرع، لو كان الأمر كذلك لكان الصحابة رضي الله عنهم أقدر على كشفها واستنباطها من نصوص الوحي، فلما تبين أن الصحابة لم يفهموا هذه المعاني المحدَثة في الدين من نصوص القرآن والسنة فقد دل ذلك على بطلان هذا الفهم من المتأخرين الذين لا يملكون من قوة الفهم وبركة الصحبة ما كان يملكه الصحابة رضوان الله عليهم.
وقوله (وبالفضل لو كان فيها أحرى) أي: ولو ادعى أهل البدع والمحدثات أن فيها شيئاً من الفضل لبطلت دعواهم بدليل أن الله تعالى حين اختار بحكمته وعلمه صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم، وكانت هذه الصحبة أشرف ما فُضل به بنو آدم بعد فضل النبوة، فإنه تعالى ما كان ليفضلهم بهذا الشرف العظيم ثم يحرمهم من فضائل أخرى في الدين ليحابي بها قوماً آخرين من متأخري الأمة الذين هم عيال في الدين على الصحابة رضوان الله عليهم، فتأمل.
وقوله (فلئن قلتم: حدث بعدهم، فما أحدثه إلا من خالف هديهم) أي: أن الإحداث في الدين مذمومٌ البتة، لأن الذين أحدثوا في الدين من الخلف مخالفون لهدي الصحابة في التزام الكتاب والسنة وعدم الخوض أو الابتداع فيما سكت عنه الوحي.
وقوله (ورغب عن سنتهم) : رغب عن الشيء: تركه متعمداً، وهذا وصفٌ مطابقٌ لأهل البدع لأنهم يتعمدون ترك سنة الصحابة المأمور باتباعها، ويسيرون وراء أهوائهم وما تشرعه لهم عقولهم فاستحقوا بذلك أعظم الذم.
وقوله (ولقد وصفوا منه ما يشفي) أي: أن شفاء الجهل هو سؤال أهل العلم، كما قال صلى الله عليه وسلم:"ألم يكن شفاء العِيِّ السؤال" [1] ، ولقد نقل لنا الصحابة من علم الوحي الصحيح ما تقوم به الحجة ويشفى به داء الجهل، فما الحاجة إلى الإحداث في الدين؟
وقوله (وتكلموا منه بما يكفي) أي: أن جيل الصحابة قد كفى الأمة بعده مؤونة العلم والعمل، فما على من بعدهم سوى الاتباع والائتساء.
(1) سنن أبو داود - 337، وابن ماجة - 572، وأحمد في مسنده - 3057، والحاكم في المستدرك - 630