فهرس الكتاب
الصفحة 29 من 123

قول المصنف رحمه الله (وقال عمر بن عبد العزيز) : هو أحد خلفاء الدولة الأموية، سار في خلافته بالسيرة الحسنة المحمودة، وبادر إلى رد المظالم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو الذي أمر بالتدوين الرسمي للسنة النبوية بعد أن كان تدوينها قائماً على جهود الصحابة والتابعين ثم العلماء دون تكليفٍ رسمي من الدولة، ولقد كان شديد التمسك بالسنة، حريصاً على تعليم الرعية وحملهم على الشريعة، وقد كتب إلى بعض عماله وهو عدي بن عدي كتاباً جاء فيه:"إن للإيمان فرائض وشرائع وحدوداً وسنناً، فمن استكملها استكمل الإيمان، ومن لم يستكملها لم يستكمل الإيمان، فإن أعش فسأبينها لكم حتى تعملوا بها، وإن أمت، فما أنا على صحبتكم بحريص"، رحمه الله ورضي عنه وأرضاه، فقد تحققت فيه فراسة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه حيث ذُكر أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه نهى في خلافته عن مذق اللبن بالماء، فخرج ذات ليلة في حواشي المدينة فإذا بإمرأة تقول لابنةٍ لها: ألا تمذقين لبنك فقد أصبحت؟ فقالت الجارية: كيف أمذق وقد نهى أمير المؤمنين عن المذق؟! فقالت: قد مذق الناس فامذقي، فما يدري أمير المؤمنين؟ فقالت: إن كان عمر لا يعلم، فإله عمر يعلم، ما كنت لأفعله وقد نهى عنه! فوقعت مقالتها من عمر، فلما أصبح دعا عاصماً ابنه فقال: يا بني اذهب إلى موضع كذا وكذا فاسأل عن الجارية، ووصفها له، فذهب عاصم فإذا هي جارية من بني هلال فقال له عمر: اذهب يا بني فتزوجها، فما أحراها أن تأتي بفارسٍ يسود العرب. فتزوجها عاصم بن عمر فولدت له أم عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب، فتزوجها عبد العزيز بن مروان بن الحكم فأتت بعمر بن عبد العزيز.

وقوله (قف حيث وقف القوم) أي: الصحابة رضوان الله عليهم، أي التزم هديهم ولا تجاوزه البتة.

وقوله (فإنهم عن علمٍ وقفوا) أي: أنهم لم يقفوا عن جهلٍ، بل إن ما سكتوا عن التكلم والخوض فيه من مسائل الدين، وما توقفوا عن العمل به مما لم يرد به الشرع ولم يشهدوه من السنة إنما كان عن علمٍ وهدايةٍ وتوفيق.

وقوله (وببصرٍ نافذٍ كفُّوا) أي: البصر الرؤية والبصر العلم وهو المقصود، قال تعالى: {فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور} [1] ، واختيار عمر بن عبد العزيز لهذا اللفظ أعني البصر اختيارٌ موفقٌ؛ لأن الصحابة جمعوا المعنيين فإنهم قد شهدوا الرسول صلى الله عليه وسلم ورأوه رؤية عين فأخذوا عنه علم الوحي بدون واسطة، كما أنهم فهموا وعلموا مقصود الشارع من الخطاب بما وفقهم الله تعالى من سلامة

(1) الحج - 46

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام