فهرس الكتاب
الصفحة 23 من 123

وغيرها من الغيبيات التي وردت بطريق الوحي الصحيح؛ فنؤمن بها كما آمن الصحابة ومن بعدهم، ولا نخوض فيها كما لم يخوضوا فيها، ونثبتها لله تعالى كما أثبتوها منزهين لله تعالى عن النقائص ومثنين على الله تعالى بما أثنى على نفسه من نعوت الكمال والجلال.

وقوله (حُذرنا المحدثات) أي: حذرنا الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم من المحدثات؛ جمع محدثة وهي كل أمر مبتدع مخترع في الدين؛ فمن ذلك أن نخوض فيما لا علم لنا به كما قال تعالى: {أتقولون على الله ما لا تعلمون} [1] ، أو أن نبتدع في شرعه ما لم يرد عن الشارع كما في قوله تعالى: {أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله} [2] ، وصح الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" [3] .

قوله (والضلالات) : جمع ضلالة، ضد الهدى والرشاد، وهي ترد بصيغ الجمع لكثرة طرق الأهواء الباطلة وتشعبها، أما طريق الحق فواحد هو الصراط المستقيم، وهذا كقوله تعالى: {الر كتابٌ أنزلناه إليك لتُخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد} [4] .

وقوله صلى الله عليه وسلم (عليكم بسنتي) أي: يجب عليكم أن تتمسكوا بسنتي، والسنة الطريقة المتبعة، والمقصود بها اصطلاحاً هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصول الدين، خلافاً للبدعة.

وقوله صلى الله عليه وسلم (وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي) : الخلفاء جمع خليفة، والراشدون نعت، والرشد ضد الغي، المهديين اسم مفعول من الهداية ضد الضلالة، والمقصود بهم الخلفاء الأربعة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبوبكر وعمر وعثمان وعلي وسيأتي مزيد بيان لمنزلتهم لاحقاً.

والمقصود بالخليفة في اصطلاح السياسة الشرعية منصب الإمامة الكبرى، وقد عرفها الماوردي رحمه الله فقال:"الإمامة موضوعةٌ لخلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا به"، ولقد كان للخلفاء الأربعة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أكمل حظ وأوفر نصيب من هذا التعريف، والمعنى من الحديث أن سنة الخلفاء الأربعة سنة شرعية ملزمة لا يجوز لأحد أن يحيد عنها.

(1) يونس - 68

(2) الشورى - 21

(3) صحيح مسلم - 1718

(4) إبراهيم - 1

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام