وقوله (ولا نصف الله بأكثر مما وصف به نفسه) أي: أن العلم بصفات الله تعالى توقيفي لا اجتهاد فيه ولا تخوض بغير علم، فما وصف الله تعالى نفسه به وأخبرنا به في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم أثبتناه، وما عدا ذلك توقفنا،
وقوله (ولا نتعدى ذلك) أي: لا نتجاوز طريق الوحي الصحيح قرآناً أو سنة في إثبات صفة لله تعالى، قال تعالى: {ولا تقفُ ما ليس لك به علم} [1] ، وقد صح في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"أسألك بكل اسمٍ هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك" [2] ، فدل على أنه لا سبيل إلى معرفة أو إثبات أسماء الله تعالى الحسنى وصفاته العلى إلا بطريق النقل الصحيح عن الوحي.
وقوله (ونؤمن بالقرآن كله مُحكمه ومتشابهه) أي: لا نفرق بين آية من القرآن فهمنا معناها وآية مشتبهة استأثر الله تعالى بعلمها، بل نؤمن بكل ونعمل بكل وفق ما فتح الله تعالى علينا من العلم بها.
وقوله (ولا نزيل عنه صفةً من صفاته لشناعةٍ شُنِّعت) أي: إن تحير العقول في فهم النص الثابت عن الوحي ليس عذراً في رد النص، فإن الشريعة لا تأتي بمحالات العقول - أي بما يحيله العقل- ولكنها قد تأتي بمحارات العقول أي بما يحيرها.
وموقف المسلم من النص الصحيح الذي يحار فيه العقل القبول والرضا والتسليم دون تكذيب أو خوض في المعنى بغير علم، فما ثبت من صفات الله تعالى وغيرها من الأمور الغيبية التي تعجز عقولنا عن تصور أو إدراك كنهها وجب علينا أن نقف بعقولنا عنده، ولا نكذب خبر الله سبحانه.
وقوله (ولا نتعدى القرآن والحديث) أي: الحديث الصحيح لأنه السنة الصحيحة هي الأصل الثاني من أصول الدين، وهي شقيقة القرآن ومثيلته في الحجية والاعتبار.
قال المصنف رحمه الله:
(1) الإسراء - 36
(2) صحيح ابن حبان - حديث 4318