ومثاله أيضاً ما أثبته الله تعالى لنفسه العليَّة من صفة الوحدانية في قوله تعالى: {قل هو الله أحد} [1] ، فكذبت النصارى بهذه الصفة وأنكرت وحدانية الله وأثبتت له الولد وفضح الله كفرهم فقال: {وقالوا اتخذ الرحمن ولداً} [2] ،
وقد يكون التكذيب بأثرٍ من آثار هذه الصفة، ومثاله ما أثبته الله تعالى لنفسه من صفة الرضا في قوله تعالى: {لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة} [3] وهم الصحابة رضوان الله عليهم، فإن من أثر رضا الله على العبد أن يوفقه للموافاة على الإيمان، فتجد من ينكر بلسان حاله هذه الصفة حين يسب الصحابة وينسبهم إلى الفسق والكفر، فكأنه يُنكر رضا الله عنهم، ويُكذِّب الله تعالى فيما أخبر به والعياذ بالله، فتأمل هذا فإنه دقيقٌ جداً.
وقد يكون التكذيب والإنكار بلسان الحال، ومثاله ما أثبته الله تعالى لنفسه من صفة الحكمة في قوله تعالى: {وهو القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير} [4] ، فإذا بالمكلَّفين ينكرون حكمة الله في تشريعه ويردون شريعته ويحكمون بغير ما أنزل الله تعالى، وهذا ردٌ لحكمُ الله تعالى وحكمته، قال تعالى: {أفغير الله أبتغي حَكَماً وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مُفَصَّلاً} [5] ، قال ابن كثير:" {أفغير الله أبتغي حكماً} أحاكم إليه، وأتقيد بأوامره ونواهيه. فإن غير الله محكومٌ عليه، لا حاكم. وكل تدبيرٍ وحكمٍ للمخلوق فإنه مشتملٌ على النقص والعيب والجور. وإنما الذي يجب أن يُتخذ حاكماً هو الله وحده لا شريك له، الذي له الخلق والأمر. {وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلاً} أي: موضَّحاً فيه الحلال والحرام، والأحكام الشرعية، وأصول الدين وفروعه، الذي لا بيان فوق بيانه، ولا برهان أجلى من برهانه، ولا أحسن منه حكماً، ولا أقوَم قيلاً، لأن أحكامه مشتملة على الحكمة والرحمة".
ومن الرد بالمعنى الأخير نوعٌ خاص يتعلق بالسنة الصحيحة وهو رد من ينكر حجية السنة، فلا يقبل في باب الصفات ولا في العقيدة عموماً شيئاً من السنة الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا هو المروق من الدين بلا ريب، لأنه ردٌ لحكمة الله في إرسال الرسل، إذ لا معنى لإرسال الرسول إذا لم تكن سنته حجةً على المرسَل إليهم!
(1) الإخلاص - 1
(2) مريم - 88
(3) الفتح - 18
(4) الأنعام - 18
(5) الأنعام - 114