قول المصنف رحمه الله (ولا نجزم) أي: لا نقطع.
وقوله (لأحدٍ من أهل القِبلة) أي: من أمة الإجابة، وقد وضع لها النبي صلى الله عليه وسلم ضابطاً في حديثه عليه الصلاة والسلام:"من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا فذلك المسلم الذي له ذمة الله وذمة رسوله فلا تُخفروا الله في ذمته" [1] ، معناه: ما لم يظهر خلاف ذلك.
وقوله (بجنةٍ ولا نار) أي: دخول الجنة أو النار، وذلك لأننا لا نعلم بماذا يُختم له، والأصل في هذا حديث ابن مسعود يرفعه وفيه:"فإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخل الجنة، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخل النار" [2] ، وهذا بالنسبة لأحكام الآخرة، وأما أحكام الدنيا فلا نتوقف بل نعامل كلاً بظاهره.
وقوله (إلا من جزم له الرسول صلى الله عليه وسلم) أي: هذا استثناء، فإن من جزم له الرسول صلى الله عليه وسلم بأحدهما شهدنا له، كقوله صلى الله عليه وسلم عن ثابت بن قيس رضي الله عنه:"إنك لست من أهل النار ولكن من أهل الجنة" [3] ، وكذلك من جزم القرآن الكريم له بأحدهما كأبي لهب في قوله تعالى: {سيصلى ناراً ذات لهب} [4] .
وقوله (لكنا نرجو للمحسن) أي: المؤمن الذي عمل الصالحات واجتنب الكبائر الموبقات فإنا لا نجزم له بالجنة، بل نرجو له القبول والجنة تصديقاً بوعد الله تعالى، قال تعالى: {ومن يأته مؤمناً قد عمل الصالحات فأولئك لهم الدرجات العلى} [5] ، ووجه الرجاء دون الجزم أننا لا نعلم شيئاً عن القبول.
وقوله (ونخاف على المسيء) أي: المؤمن المسيء الذي ارتكب المعاصي والكبائر لا نجزم له بالنار، فإنه في خطر المشيئة إذا مات على كبيرته دون توبة، فإن شاء الله عذبه، وإن شاء عفا عنه.
وقوله (ولا نكفِّر أحداً من أهل القبلة بذنب) أي: خلافاً للخوارج الذي يكفرون مرتكب الكبيرة بمجرد ارتكابها، ونفي المصنف التكفير عن مرتكب الذنب مخصوصٌ بالذنب غير المكفِّر.
وقوله (ولا نخرجه عن الإسلام بعمل) أي: لا ننفي أصل الإيمان عن مرتكب المعصية أو الكبيرة لمجرد ارتكابها، ما لم يكن العمل نفسه مكفِّراً كمن شتم النبي صلى الله عليه وسلم، أو عطَّل التحاكم إلى شرع الله وفرض على
(1) صحيح البخاري - حديث 384
(2) صحيح البخاري - 3154، وصحيح مسلم - حديث 2643
(3) صحيح البخاري - حديث 3417
(4) المسد - 3
(5) طه - 75