مضغة مثل ذلك، ثم يرسل إليه الملك /الحديث [1] ، ومنهم الموكلون بحفظ أعمال بني آدم، قال تعالى: / وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ / كِرَامًا كَاتِبِينَ / [الانفطار: 10، 11] ، يلازمونكم بالليل والنهار.
قال صلى الله عليه وسلم: / يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل، وملائكة بالنهار/ [2] ، ويجتمعون في صلاة الفجر، وفي صلاة العصر، ويشهدون للمصلين عند الله سبحانه وتعالى، ولهذا قال تعالى: / وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا / [الإسراء: 78] أي: يحضره الملائكة، ملائكة الليل وملائكة النهار، ومنهم من هو موكل بحفظ بني آدم من المكاره، يحفظونه من الآفات، ومن الأعداء ومن الهوام ومن السباع ومن الأفاعي والحيات، ما دام له بقية حياة فإن له ملائكة يحفظونه من الأخطار.
ينام بين السباع وبين الحيات في البر، من الذي يدفع عنه الحيات والسباع والهوام؟ معه ملائكة سخرهم الله سبحانه وتعالى، قال الله فيهم: / لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ / [الرعد: 11] ، أي: بأمر الله هؤلاء يحفظون بني آدم من المكاره والأخطار إلى أن يحين الأجل، فإذا حان الأجل تخلوا عنه، فوقع ما قدر الله له من الموت أو الإصابة التي تفضي إلى الموت.
ومنهم ملائكة موكلون بتنفيذ الأوامر في أقطار السماوات والأرض، لا يعلمهم إلا الله سبحانه وتعالى، منهم ملائكة يطلبون مجالس الذكر ويحضرونها كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: /ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة / [3] ، ملائكة سياحون في الأرض، يطلبون حلق الذكر ويشهدونها.
ولا يعلم الملائكة وأصنافهم وأوصافهم إلا الله، لكن ما جاء في النصوص القرآنية والأحاديث النبوية الصحيحة أثبتناه واعتقدناه، وما لم يذكر لنا نمسك عنه ولا نبحث فيه؛ لأن هذا من علم الغيب الذي لا ندخل فيه إلا بدليل.
فالإيمان بالملائكة ركن من أركان الإسلام، فمن جحد الملائكة وقال: لا يوجد ملائكة لأننا لا نراهم، هذا يكون كافرا ملحدا زنديقا والعياذ بالله؛ لأنه لم يؤمن بالغيب، وكذلك الذي يؤول الملائكة فيقول: الملائكة إنما هي معان وليست أجساما، وهي الهواجس التي تأتي على الإنسان، إن كانت هواجس خير فهي ملائكة، وإن كانت هواجس شر فهي شياطين، فهذا قول إلحادي والعياذ بالله، ومع الأسف هو في"تفسير المنار"نقله محمد رشيد رضا عن شيخه محمد عبده.
وهذا كلام الفلاسفة، وهو كلام باطل، من اعتقده فهو كافر، لكن نرجو أنه نقله ولم يعتقده، ولكن نقله من غير تعقيب فيه خطورة، وهذا كلام باطل وكفر بالملائكة، نسأل الله العافية والسلامة.
فالإنسان لا يدخل بعقله وتفكيره، أو ينقل عن الفلاسفة أو عن الزنادقة شيئا من أمور الدين وأمور الغيب، وإنما يعتمد على الكتاب والسنة، هذا هو الواجب، ويذكر في"تفسير المنار"أنه منقول من كتاب"إحياء علوم الدين"للغزالي، والله أعلم.
وكتاب"إحياء علوم الدين"للغزالي فيه طوام وفيه بلايا، وإن كان فيه شيء من الخير والفوائد، لكن فيه من المهلكات والسموم الشيء الكثير، وهو كتاب مختلط، شره أكثر من خيره، فلا يليق بالمبتدئ أو العامي أن يطالع فيه إلا إذا كان عنده علم وتمييز بين الحق والباطل.
والملائكة ليسوا معان كما يقول، بل الملائكة أجسام وأشكال، يتشكلون بأشكال أعطاهم الله القدرة عليها، ولهذا كان جبريل عليه السلام يأتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم في صورة رجل، فأعطاهم الله القدرة على التشكل في أشكال من أجل مصلحة بني آدم؛ لأن بني آدم لا يطيقون رؤية الملائكة على خلقتهم التي خلقهم الله عليها، وإنما يأتون إلى النبي صلى الله عليه وسلم في صورة رجل رفقا ببني آدم، ولا يرون على صورتهم وحقيقتهم إلا عند العذاب، قال تعالى: / يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ / [الفرقان: 22] ، وعند الموت يعاينهم
(1) أخرجه البخاري (3208) ، ومسلم (2643) مِن حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
(2) أخرجه البخاري (555) ، ومسلم (632) مِ، حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(3) أخرجه مسلم (2699) مِن حديث أبي هريرة رضي الله عنه.