فهرس الكتاب
الصفحة 75 من 122

الله فرض حج البيت على المسلمين، فإذا لم تحجوا وأبيتم الحج فهذا دليل على أنكم لستم مسلمين، ولستم على ملة إبراهيم / وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ /.

ولله: أي، هذا فرض وحق وواجب لله سبحانه وتعالى على الناس.

حج: معناه في اللغة: القصد.

الحج شرعا: قصد الكعبة المشرفة والمشاعر المقدسة في وقت مخصوص لأداء عبادات مخصوصة، وهي مناسك الحج.

حج البيت: أي، الكعبة، وما حولها من المشاعر تابع لها.

من استطاع إليه سبيلا: هذا بيان شرط الوجوب، وهو الاستطاعة البدنية والاستطاعة المالية، الاستطاعة البدنية بأن يكون قادرا على المشي والركوب والانتقال من بلده إلى مكة في أي مكان من الأرض، هذه البدنية، يخرج العاجز عجزا مستمرا كالمريض مرضا مزمنا والكبير الهرم، فهذا ليس عنده استطاعة بدنية، فإن كانت عنده استطاعة مالية فإنه ينيب من يحج عه حجة الإسلام.

أما الاستطاعة المالية فهي توفر المركب الذي ينقله، الراحلة أو السيارة أو الطيارة أو الباخرة، كل وقت بحسبه، ويكون عنده مال يستطيع أن يوفر له المركب الذي يمتطيه لأداء الحج، وأيضا الزاد يكون عنده زاد ونفقة له في السفر ذهابا وإيابا، ولمن يمونهم يكون عندهم كفايتهم إلى أن يرجع إليهم، فالزاد معناه أن يكون عنده ما يكفيه في سفره، ويكفي من يمون من أولاده ووالديه وزوجته، وكل من تلزمه نفقته، يؤمن لهم ما يكفيهم حتى يرجع إليهم بعد تأمين سداد الديون إن كان عليه ديون، يكون هذا المال فاضلا بعد سداد الديون.

فإذا توفر هذا فيكون هذا هو السبيل،"الزاد والراحلة" [1] كما في حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

ومن لم يستطع: أي، من ليس عنده زاد ولا راحلة فليس عليه حج؛ لأنه غير مستطيع، فشرط وجوب الحج هو الاستطاعة.

ولما كان الحج يؤتى إليه من بعيد من كل أقطار الأرض، من كل فج عميق، ويحتاج إلى مؤنة، وفيه مشقة وتعب، وقد يحصل فيه أخطار، فمن رحمة الله أن جعله في العمر مرة واحدة، وما زاد عليها فهو تطوع، هذا من رحمة الله سبحانه وتعالى حيث لم يوجبه على المسلم كل سنة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: /إن الله فرض عليكم الحج فحجوا، قال الأقرع بن حابس رضي الله عنه: أكل سنة يا رسول الله؟ فسكت عنه الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم أعاد السؤال، فسكت عنه النبي صلى الله عليه وسلم، ثم أعاد السؤال، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لو قلت نعم لوجبت، ولما استطعتم، الحج مرة واحدة، فما زاد فهو تطوع / [2] ، هذا من رحمة الله.

وقوله سبحانه: / وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ /فيه دليل على أن من امتنع عن الحج وهو يقدر ولم يحج فإنه كافر؛ لأن الله قال: (ومن كفر) ، أي: من أبى أن يحج وهو قادر على الحج، فإن هذا كفر، قد يكون كفرا أصغر، فمن تركه جاحدا لوجوبه هذا كفر أكبر بإجماع المسلمين، أما من اعترف بوجوبه وتركه تكاسلا فهذا كفر أصغر، ولكن إذا توفي وكان له مال فإنه يحج من تركته؛ لأنه دين عليه لله عز وجل، وهذه الآية فيها وجوب الحج، وهو ركن من أركان الإسلام، وبين الرسول صلى الله عليه وسلم أنه ركن من أركان الإسلام في حديث جبريل [3] ، وفي حديث ابن عمر [4] .

وقد فرض الحج في السنة التاسعة على قول، ولم يحج النبي صلى الله عليه وسلم في هذه السنة، وإنما حج في السنة التي بعدها في السنة العاشرة، لماذا؟ لأنه صلى الله عليه وسلم / أرسل عليا ينادي في الناس في الموسم:

(1) أخرجه الترمذي (813) ، وابن ماجة (2896) من حديث ابن عمر رضي اله عنهما، وأخرجه ابن ماجة (2897) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

(2) أخرجه الإمام أحمد في"المسند"4/ 151 (2304) ، وأبو داوود (1721) ، والنسائي 5/ 111 مِن حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

(3) سبَقَ تخريجه ص 63.

(4) سبَقَ تخريجه ص64.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام