ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر، ومن مخلوقاته: السماوات السبع والأرضون السبع وما فيهن وما بينهما [6]
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[6] قوله: ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر: فالآيات على قسمين:
القسم الأول: آيات كونية تشاهد مثل السماوات والأرض والنجوم والشمس والقمر والجبال والشجر والبحار، سميت آيات، لأن بها دلالات على خالقها سبحانه وتعالى، ولهذا يقول الشاعر:
فيا عجبا كيف يعصى الإلـ ... ـه أم كيف يجحده الجاحد
وفي كل شيء له آية ... تدل على أنه واحد
ولله في كل تحريكة ... وتسكينة في الورى شاهد
فكيف يجحد أحد الله - جل وعلا - ويقول: ليس هناك رب، هذا الكون كله، وهذه المخلوقات وجدت من غير خالق، وإن وجدت بخالق فمن هو هذا الخالق غير الله - جل وعلا - بين لي؟ لا تجد خالقا غير الله سبحانه وتعالى: / أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ / [الرعد: 16] .
القسم الثاني: الآيات القرآنية التي تتلى من الوحي المنزل على الرسول - صلى الله عليه وسلم - هذه كلها أدلة على وجود الرب سبحانه وتعالى، وعلى كماله وصفاته وأسمائه، وعلى أنه مستحق للعبادة وحده لا شريك له، كلها تدل على ذلك، الآيات الكونية والآيات القرآنية.
الآيات الكونية تدل على خالقها وموجدها ومدبرها، والآيات القرآنية فيها الأمر بعبادة الله، وفيها تقرير توحيد الربوبية، والاستدلال به على توحيد الألوهية، والأمر بعبادة الله سبحانه وتعالى، كل القرآن يدور على هذا المعنى، وأنزل من أجل هذا المعنى.
ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر، هذه من أعظم آياته سبحانه وتعالى، الليل المظلم الذي يغطي هذا الكون، والنهار المضيء الذي يضيء هذا الكون، فينتشر الناس لأشغالهم، قال تعالى:/ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَاتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ /قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَاتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ / وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ / [القصص: 71 - 73] .
هذا من أعظم آيات الله، هذا الليل وهذا النهار، لا الوقت كله ليل، ولا الوقت كله نهار، لأنه لو كان كذلك تعطلت مصالح العباد وتعبوا.
جعل الله لهم الليل والنهار يتعاقبان، ثم إن الليل والنهار منتظمان لا يتخلف واحد منهما ولا يتغير، على نظام واحد، مما يدل على حكمة الحكيم سبحانه وتعالى، أفعال العباد وصناعاتهم تخرب وتختلف مهما كانت وتتعطل، وأما مخلوقات الله - عز وجل - فإنها لا تخرب إلا في وقت يأذن الله فيه بخرابها.
فالليل والنهار مستمران، لم يتعطل أحد فيهما، بينما صناعة الخلق تتعطل وتخرب وتفنى، وإن كانت قوية أو ضخمة.
كم تشاهدون من السيارات المرمية والطائرات والبواخر، مع أنها قوية ومعتنى بها، لكنها تخرب وتتعطل، هل تعطل الليل أو تعطل النهار؟ لأن صانعه قدير حكيم - جل وعلا: / صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ / [النمل: 88] .