وهم عالم موجود من أنكرهم فهو كافر؛ لأنه مكذب لله ورسوله ولإجماع المسلمين، فقد بين الله - عز وجل - أنه لم يخلق الجن والإنس لشيء إلا لعبادته، فهو لم يخلقهم لأجل أن ينفعوه أو يضروه، أو يعتز بهم من ذلة، أو يتكثر بهم من قلة، لأنه غني عن العالمين، وما خلقهم لحاجة إليهم، ما خلقهم لأجل أن يرزقوه أو يكتسبوا له الأموال: / مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ /إنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ / [الذاريات: 57] .
فالله ليس بحاجة إلى الخلق، وإنما خلق الجن والإنس لشيء واحد فقط وهو أن يعبدوه، وهو ليس بحاجة إلى عبادتهم، وإنما هم المحتاجون إليها؛ لأنهم إذا عبدوا الله أكرمهم وأدخلهم الجنة، فمصلحة العبادة راجعة إليهم، ومضرة المعصية عائدة إليهم، أما الله - جل وعلا - لا تضره طاعة المطيع ولا معصية العاصي، قال سبحانه وتعالى: / إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ / [إبراهيم: 8] الله لا تضره معصية العاصي ولا تنفعه طاعة المطيع، وإنما هذا راجع إلى الخلق أنفسهم، إن أطاعوه انتفعوا، وإن عصوه تضرروا بمعصيته.
ومعنى يعبدون: يوحدون [16] .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[16] قوله: ومعنى يعبدون: يوحدون: أي يفردوني بالعبادة، فالعبادة والتوحيد بمعنى واحد. التوحيد يفسر بالعبادة، والعبادة تفسر بالتوحيد، ومعناهما واحد، ففي هذا رد على من فسر التوحيد بأنه الإقرار بأن الله هو الخالق الرازق المحيي المميت المدبر، فهذا ليس هو التوحيد الذي خلق الخلق من أجله، وإنما خلق الخلق من أجل توحيد العبادة، وهو توحيد الألوهية.
أما من أقر بتوحيد الربوبية فقط فإنه ليس موحدا، وليس من أهل الجنة، بل هو من أهل النار؛ لأنه لم يأت بالتوحيد الذي خلق من أجله والعبادة.